استطلاع/ صلاح حسن السيلاوي
مازالت الدراما العراقية تواجه تساؤلات كثيرة تخص مواضيعها وأساليبها الإخراجية وقدراتها الإنتاجية وإمكانياتها التمثيلية وهي على مدى سنوات كثيرة مرت، ما زالت غير مجيبة عن أسئلة المشاهد والناقد العراقي إلا عبر أعمال قليلة جداً ومجزوءة، بعضها يصلح للرد وبعضها الآخر يعجز تماما عن ذلك .
المستوى الثقافي للدراما العراقية هو السؤال الأهم الذي يجب على المعنيين بها أن يضعوه نصب أعينهم.
أين موقع الثقافة العراقية ومستوياتها في ذهن أهل الدراما؟، هل يفكر صناعها بثقافة الفرد ويسعى لتطويره؟، أهناك من يواجه الأنساق الثقافية السائدة في المجتمع كالعشائرية والطائفية والقومية؟، لماذا لا نجد أدوارا لشخصيات مثقفة في الدراما العراقية كالشاعر والقاص والناقد والمغني والسينمائي والمسرحي؟، لِمَ تكاد تقتصر الأدوار على ابن الريف الجنوبي لدرجة التشويه؟، ألا يمكن أن نعد ذلك قصورا ثقافيا في جوانب درامية معينة؟. هذه التساؤلات وغيرها سنبحث لها عن إجابات عبر هذا الاستطلاع مع نخبة من مثقفينا المعنيين بالكتابة السرديَّة.
أخطر أساليب تثقيف الجمهور
القاص ابراهيم سبتي يرى أن الدراما التلفزيونية إحدى أهم مؤثرات الذائقة الجمالية لدى المتفرج، وهي تعد من أخطر أساليب تثقيف الجمهور لأنها تلامس أحاسيسه ومشاعره.
وأضاف قائلاً: في دراما رمضان الماضي، وجدت أن أغلبها كان ظاهرة كلامية أكثر منها ظاهرة درامية مؤثرة بقصتها او بإخراجها او بحواراتها وهي النقطة الأضعف في الأعمال العراقية. فالتمثيل لم يعطِ المطلوب لبث روح الثقافة من خلال الحركة والتفاعل مع المشهد المطلوب، إنما ظل رتيبا ومتشنجا أحاديا من دون ابتكار، مما أثر سلبا على تقبل الجمهور. أما الإخراج فغرق أغلبه في النمطية والتكرار وابتعد عن المخيلة الابداعية التي تجعل العمل قريبا من الجمهور ومؤثرا فيه. على صعيد القصة برز عمل او اكثر في اختيارها لمواضيع قديمة جديدة ولكن بمعالجة ابداعية واضحة، كما فعل الكاتب شوقي كريم حسن الذي كانت قصته متميزة. ولعل الحوار في الدراما العراقية عموما، بعيد عن الواقع بل إنه يسيء كثيرا للعمل وهذه إحدى محن الدراما العراقية التي تحتاج الى خبراء في كتابة الحوار.
فنجد أن الممثل يتكلم بلهجة مغايرة للشخصية التي يمثلها ولم يستخدم فطنته ومخيلته في تقمص الشخصية. عموما باعتقادي أن تأثير الدراما على المجتمع العراقي، ليس ما كان يطمح له وهو أكبر من ذلك لا سيما أن الناس التجؤوا لمشاهدة الأعمال المصرية وغيرها للتعويض عن اخفاقات الدراما العراقية التي برز فيها عمل واحد او اثنان كانا في مستوى التأثير الذي ننشده.
خضوع للمزاج السياسي
القاص عبد الأمير المجر تحدث في بداية إجابته عن مسلسل (كمامات وطن) ثم أشار إلى أن مايؤسف له في الدراما العراقية أنها والفن العراقي بشكل عام، يخضع باستمرار للمزاج السياسي، وهذه ليست تهمة بل تشخيص، وياليت الامر يقف عند هذا، على حد تعبيره، وانما يتعداه الى التعبوي الذي ينسجم مع المناخ العام بقوة او يختلف معه بقوة ايضا، وأضاف المجر قائلا: وهنا أتحدث عن فن مابعد 2003 ولاداعي للحديث عن مرجعيات هذا التوجه كونها معروفة، ولهذا افتقدت الدراما عندنا عنصر التشويق، ووقعت في المباشرة، غير متناسين ان القنوات الفضائية (المستقلة) لها مرجعياتها الثقافية والسياسية التي تحكم طبيعة انتاجها الفني مثلما للقنوات الحزبية ايضا، ولم يختلف الامر مع القناة الحكومية الي انتجت اعمالا درامية ذات طابع سياسي تعبوي، أنفقت عليها أموالا طائلة، لكنها لم تحقق المشاهدة المرجوة ولا الاهداف، كون المواطن يريد فنا ينتقل به الى عوالم أخرى ويوصل مقولته بطريقة ممتعة ومقنعة ايضا.. وحتى مسلسل (كمامات وطن) وقع ايضا بفخ المباشرة والتعبوية المضادة، في اغلب حلقاته، وعمل على إعادة انتاج الواقع بطريقة غير مؤثرة، باستثناء بعض الحلقات المميزة، والسبب هو أننا نفتقد الكاتب الذي يعالج الفكرة بعمق ويخلق شخصيات مركبة ومتحركة من الداخل، وليس كالبيادق الخالية من الروح.. أعتقد أن عملا فنيا عراقيا مميزا مازال بعيد المنال.
لا دراما عراقيَّة اليوم
القاص أحمد محمد الموسوي قال: رأيي ألا دراما عراقية اليوم... هناك أعمال تفلت بين مدة وأخرى، وهي قليلة ولا تصلح للقياس على الحالة العامة، تعيد للواجهة صورة الدراما العراقية الغائبة منذ عقود... الدراما ليست نصاً فقط، ولا ممثلين محترفين ومخرجين وفنيين، ولا منتجين مغامرين يقتحمون الميدان بقلب أسد، الدراما ليست هذه المفردات منفردة من دون بعضها البعض، بل هي مجتمعة معاً في اطار مؤسساتي منظم وفاعل... وربما نمتلك في العراق كل هذه المفردات بنسب مختلفة، ولكننا مازلنا لا نمتلك المؤسسات التي تجمعها وتوجهها وتفعلها لتكون منافسة حقيقية في الساحة الدرامية العربية... أما عن الإطار الثقافي للدراما فهو حاضر من خلل الكم والنوع في النتاج الروائي والقصصي العراقي على الرغم من أن الكاتب العراقي مازال لا يجني من كتابته سوى المتاعب، فكيف لو تخيلنا وجود مؤسسات إنتاجية تتلقف ما ينتجه الكتاب لقاء أجور مجزية؟ من المؤكد أن الوضع سيختلف باتجاه الأفضل...
وقال الموسوي ايضا: وهنا يأتي دور وزارة الثقافة وشبكة الإعلام العراقية لتضع ستراتيجية موحدة للعمل، تضبط من خلالها الرسائل الواجب توجيهها وتأكيدها بالأعمال الدرامية، فضلا عن تهيئة الأرضية الاستثمارية الصلبة لجلب رؤوس الأموال في هذا
الميدان...
إن ما تنتجه القنوات العراقية - الرسمية وغير الرسمية- لغاية اليوم هو عبارة عن أعمال باهتة ليست لها قدرة على التعبير عن الواقع العراقي أو الشخصية العراقية - لا تاريخياً ولا واقعياً- في ظل غياب للجودة بسبب ضآلة الميزانيات الإنتاجية لهذه الأعمال والاستسهال المتعمد في صناعتها...
وهناك وجه آخر أراه من الأهمية بمكان يكمن في غياب التوجهات الإعلامية والثقافية المشتركة للمرحلة الراهنة بين القوى المهيمنة على صناعة الخطاب الدرامي والإعلامي بشكل عام. هذا الغياب خلق أجواءً سلبية للأسف خسرنا فيها فرصة اللعب في الدوري مع المؤسسات الدرامية العربية بالرغم من امتلاكنا أرضاً خصبة للسرد.