تكلفة الفرصة البديلة

الرياضة 2020/06/28
...

محمد شريف أبو ميسم
ثمة مفهوم أساسي في علم الاقتصاد، يعبر عن العلاقة بين الندرة والاختيار، ويطلق عليه "تكلفة الفرصة البديلة"، ويمكن تبسيط هذا المفهوم بقياس قيمة العمل الذي يقوم به الشخص، مقارنة مع بدائل أخرى، فاذا كان دخل الشخص من وظيفة ما عشرة ملايين دينار سنويا، واتيحت له فرصة العمل بوظيفة أخرى محاولا تحسين دخله السنوي مثلا، فان تكلفة الفرصة البديلة ستكون عشرة ملايين دينار سنويا مقارنة باختياره الجديد، وعلى هذا الشخص أن يحقق أرباحا في وظيفته الجديدة لتغطية كلفة الفرصة البديلة اذا ما أراد تحسين دخله. 
وينسحب الأمر أيضا على دراسات الجدوى في اقامة المشاريع في اطار الخيارات المتاحة، وهنا يكون على صاحب المشروع حساب ما يمكن أن يحققه في المتاح مقارنة بما هو متوفر، بمعنى معرفة قيمة التكلفة المتوقعة التي يمكن خسارتها من المشروع القائم لو تم اختيار بديل آخر.
ولكن السؤال هنا يتعلق بأسباب اللجوء لاحتساب تكلفة الفرصة البديلة، والتي يعزوها علم الاقتصاد الى محدودية الموارد المادية، فلولا هذه المحدودية ما كان الخوض في البحث عن البدائل، اذ ان الوفرة لا تدعونا للخوض في المخاطر بل تدعونا لتنفيذ مشاريعنا على قدر المسؤولية في اطار حاجات السوق وخطط التنمية، بينما تشكل الندرة عامل ضغط للتجوال بين الفرص المتاحة، بهدف تعظيم الموارد.
هذا المدخل يدعونا للتأمل في خياراتنا ونحن ازاء ندرة غير مسبوقة في الموارد على مستوى الدولة، والخوض في المتاح من الفرص لتعظيم الدخل والخروج من حالة الركود التي باتت ملامحها واضحة على المشهد الكلي. اذ آن الأوان أن نفعّل الخيارات التي تكون تكلفة الفرصة البديلة فيها صفراً على أقل تقدير، وفي مقدمتها المتاح من الفرص المهملة من قبيل العقارات والمنشآت العائدة الى الدولة، ولنأخذ مثلا بنايات الأسواق المركزية التي بقيت مهجورة على مدار سنين، اذ بالامكان أن تعرض هذه الأسواق الى العامة من الناس باسلوب الاستثمار أو الايجار بشكل محال صغيرة على نفقة المستأجر، خصوصا ان اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء الأسبق قد اتخذت قرارا بتحويلها الى مشاريع استثمارية.
وهذا يمكن أن ينسحب على امكانية توظيف العدد الهائل من عقارات الدولة التي يقال ان عدد حالات التجاوز عليها بلغ نحو 100 ألف حالة، وهذه الخيارات مع عرض بعض المشاريع المعطلة على الجمهور ستسهم في سحب الكتلة النقدية المكتنزة لدى الجمهور والتي يقدرها البنك المركزي بنحو 70 بالمئة من النقد الصادر، وتوظيفها في تفعيل حركة السوق، اذ ان عرض مشروع قناة الجيش مثلا الذي ما زال معطلا لبناء محال ومقاه وملاعب أطفال وكافيهات اسرية بشروط سياحية كفيل بهرولة الآلاف نحو هذا المكان الستراتيجي في قلب العاصمة بغداد أملا بالحصول على قطعة أرض فيه، وكفيل بتوفير الكثير من فرص العمل للعاطلين. وهكذا بالنسبة لشواطئ دجلة والانهار الأخرى في نواحي المحافظات عموما، ونحن هنا لا نتكلم عن كلف تتحملها الدولة، اذ يمكن استيفاء حتى كلف البنية التحتية من المستأجرين.