مع كل أزمة في العالم يصبح السؤال ملحاً عن حلٍّ فوري أو عن بديلٍ سريع يخفف التوتر الذي تعيشه البشرية جراء فقدانها اعتياد ما، وفي خضم ما يعانيه العالم الآن بدأ التفكير بأمر خلاص نهائي من وباء عطل الحياة بأكملها أمراً مرهقاً، إلا أن ذلك لم يعدم إمكانية إيجاد حلول سريعة.
فالحياة يجب أن تتقدم باستمرار و الأمور ينبغي أن تسير بأي طريقة وتحت أي ظرف، ومن ذلك وجد العالم نفسه بين ليلة وضحاها حبيس البيت لكنه في اللحظة نفسها وجد عالماً آخر، يتيح له التنقل والتواصل وقضاء حاجاته والعمل أيضاً أنه عالم الكتروني لكنه بديل رهيب عن عالم بات محاطاً بالخطر.
أسئلة اقترحناها، ووضعناها أمام عدد من المثقفين، بحثا عن البديل بمواجهة يوميات الحجر الصحي، وهل أن المنصات الافتراضية، وفضاءات التواصل الاجتماعي تكفي لصناعة هذا البديل؟
- كيف تتصور العالم الآن من دون انترنت في خضم أزمة هذا الوباء والحجر الصحي؟ وان لم يكن موجودا باعتقادك ما هو البديل؟
يقول الشاعر سراج محمد: إن التكنولوجيا التي شهدها العالم، لم تكن كماليات ألكترونية لإزاحة الكلفة والجهد عن الإنسان وحسب، بل هي إحدى انعكاسات التطور الإنساني التي تسعى لجعل العالم سريعا ومتاحا وفي متناول اليد، وتمنح الإنسان امتياز التكيّف وتدفعه لاجتياز اختبار الأسئلة التي يحاول الإجابة عنها، ولا شك أننا لا نتحدث عن التكنولوجيا الرقمية إزاء الأزمة التي يمر بها العالم حاليا؛ لأنها ببساطة لم تشكل فارقا لدى الدول المتقدّمة، فقد تغيّرت الأنظمة هناك بشكل فعلي قبل أكثر من عقدين من الزمن، وبدل أن ينعكس هذا التحول على تقدّم الإنسان صار يهدد وجوده كذات تتمتع بالخصوصية والحرية النسبية، فزراعة الرقاقات أو الذكاء الإصطناعي تعني المزيد من السيطرة على حياة الإنسان، وإذا ذهبنا بعيدا فإنها تعني استحداث نسخة جديدة منه، وقد يصل الأمر إلى أنك تدخل في علاقة مع حاسب ما.
أما الكاتب حسّان الحديثي فكان رأيه: أن الحياة سائرة نحو الطريق الافتراضي، ففي مجال التعليم بدأ التدريس عن بعد يتوسع مع زيادة سرعة الانترنت، في مجال الطب أيضاً حقق بعض الأطباء نقلة بالتشخيص عن بعد والتالي إجراء عمليات.
لن يستطيع الإنسان أن يعيش من دون انترنت ابداً، الدراسات الجديدة تقول إننا سنتخلى عن شراء السيارات خلال عشرة أعوام وسنتنقل بالأجرة بتطبيقات الهواتف وستكون الكلفة اقل من امتلاكنا سيارة، وسنترك الطبخ وسيصلنا الطعام بكبسة زر بكلفة أرخص مما لو طبخنا، وسنترك المكاتب وسيتم الموظف عمله من البيت، وسنقرأ من الشاشة ونلتقي مع الأهل والأصدقاء بدوائر الاتصال المرئي.
الشاعر عدي زهير السراي، يقترح وجهة نظر أخرى قائلا: إن التحولات الكبرى التي تمر على البشرية جمعاء كالأوبئة والحروب والكوارث الطبيعية او التي يتسبب بها الانسان تفرض قسراً سلوكًا جديدا وطريقة عيش جديدة وتخلق علاقات اجتماعية جديدة تكون كنتيجة طبيعية لمتطلبات الحياة الحديثة، وقد تترسخ هذه المفاهيم والعلاقات وتتأكد أكثر فأكثر تبعاً لقوة المسبب، ومانراه اليوم من دخول العالم الافتراضي بقوة في تأسيس علاقات اجتماعية جديدة حلت محل العلاقات القديمة بل وانتجت مفاهيم جديدة تتماشى والحالة الراهنة من تفشي جائحة كورونا في كل بقاع الأرض وهذا بالطبع ماتسير اليه البشرية في مخاضها نحو المستقبل الرقمي وصولا الى واقع جديد مفروض بقوة على قدر الإنسان.
أما بخصوص أن العالم الموازي وهل يفي بالغرض بالنسبة للانسان عموماً والمبدع خصوصاً، فلا أتصور أن العوالم الافتراضية على اتساع وتنوع استخداماتها والحاجة الماسة اليها تفي بالغرض لان الحياة الحقيقية تبقى هي الأرض التي تؤسس عليها كل الافتراضات والنظريات الحديثة وذلك لارتباطها بحياة الإنسان الى حد التسبب بالوجود من عدمه، فالانسان لايستغني عن حاجاته الضرورية التي تقع في قاعدة هرم ماسلو (المأكل والمشرب والملبس والجنس) فمهما بلغت حاجة الانسان للعالم الافتراضي فهو لايستطيع إشباع تلك الرغبات افتراضياً، أما بالنسبة للمبدع فالوجود الحقيقي الملموس هو أرض الاكتشاف الأولى لكل المجالات الابداعية الأخرى، فالانسان مهما بلغ من التطور التقني وغيره لايستطيع الاستغناء عن الرجوع الى الطبيعة الأم وملامسة الاشياء والإحساس بدفئها، اما عن كيفية كون العالم من دون انترنت في خضم هذا الوباء والحجر الصحي فبالتأكيد ان الذات البشرية لاتستسلم فتمسكها بالبقاء يدفعها الى الابتكار والابداع في كل المجالات التي من شأنها بقاء الجنس البشري واستمراره بالوجود، فما الانترنت سوى وسيلة استحدثتها الحاجة الماسة اليها فكانت نتيجة حتمية حسب قوانين التطور التاريخي للمجتمعات، فالبشر مجبول على التواصل مع أبناء جنسه رغم اي ظرف مهما بلغت صعوبته.
الشاعر نعيم شريف ينظر للعالم الافتراضي وفكرة البديل من زاوية أخرى، قائلا، ربما تكون الحياة الافتراضية التي نمارسها من بيوتنا، هي الحياة البديلة لماضٍ واقعي قبل فيروس كورونا. هذه الحياة الافتراضية التي وجدت أهميتها في عزلة بيتية واجبارية، سببُها خطرٌ غامضٌ، إذ تكون مقام العزلة التي كان قد أتاحها الكهف لأسلافنا حين لجؤوا إليه اتقاء خطر يتهددهم.
البيت والعزلة التي يمنحها، قد استعاد وظيفة الكهف القديمة، كما قال ذلك فيلسوف فرنسي. الإنسانية، تجترح حلولها دوماً، فقد أعاد لنا فيروس كورونا وظيفة البيت في شكلها الأول: الاحتماء به والاعتزال من خطر خارجي.
إننا لا نستطيع أن نعيش العزلة من دون أدوات البقاء، والحياة الافتراضية، هي هذه الأداة، والتركيبة النفسية والعقلية والاجتماعية للإنسان المعاصر، تقتضي ابتكاراً كهذا الذي ندعوه الحياة الافتراضية، فالافتراض بالنسبة للفرد المهدد والذي خسر فجأة ، ميدان حياته الواقعية الى أجل غير مسمى، هو وجوه كثيرة وضرورية، فهو افتراض تواصل، وهو افتراض عشق، وافتراض مجد، وبعد، كل شيء، افتراض حياة بكامل زخهما، انسحبت خائفة من الخارج الى أمان كهفنا الأول.
في ظل هذا الحجر الصحي، افتراض عدم وجود انترنت، هو افتراض (مرعب) وقاسٍ، لكن علينا أن لا نتنكر لرفيقنا الأزلي وخير الجلساء: الكتاب، فهو البديل الأكثر احتراماً وكبرياء
للإنسان.