دونكيشوت: أتعرف يا سانشو، لي رغبةٌ بشراء بيانو والعزف عليه بين هذي الطواحين.
سانشو: إنها فكرةٌ صائبةٌ. تليقُ بزعيم أسطوري من طرازك سيدي الدون. أجل. سيكون مقامكَ لائقاً بالجلوس وسط التلال، تعزف، فتتغذى الرمال وما بجوفها بالرحيق الموسيقي.
دونكيشوت: وهل تراني مختصاً بموسيقى الثعابين والعقارب والجرذان والسحالى والجرابيع أيها الأحمق؟
سانشو: ولم لا. فقد يتم تحويل كل هذه الزواحف ونظائرها من الذئاب والضباع إلى مخلوقات غير سامّة ومتوحشة، وبذلك تكسب سبق صناعة عالم إضافي للموسيقى.
دونكيشوت: لكن آلات الموسيقى، لا تستجيب إلا للأصابع المملوكة للشغف يا سانشو !
سانشو: ليس أسهل من الحصول على ذلك يا سيدي الدون.
دونكيشوت: كيف. هل تريد أن نذهب للسوق، فنتبضع سطلاً من الشغف، أغمسُ أصابعي به، ويتم استخراج الألحان هادرة مثل شلالات نياغرا؟
سانشو: ليس بتلك الطريقة، إنما ببري الأصابع وجعها شبيهةً بأقلام الرصاص. ذلك يمنحها الرقة والشفافة.
دونكيشوت: وأن أعزف السمفونيات للقمر بمصاحبة كورال من عواء الذئاب. أليس هذا ما برأسك؟!
سانشو: أجل يا سيدي الدون، عليك أن تحمل مبراةً، تنظف بها نفسكَ من صدأ الحروب وأصدائها كي تصبح موسيقياً.
دونكيشوت: إنها لفكرة. أن أكون رائياً في الموسيقى وفي الأرواح.
سانشو: واعلمْ أن العاشق المشغوف، لا يخطئ بالإملاء الموسيقي إلا نادراً .
دونكيشوت: ماذا وراء جملتك الملغومة أيها اللعين ؟
سانشو: أقصد متى ما تحبُ، ستغادرُ الرمحَ يدُكَ، ويرتفعُ منها الدبيبُ الملتهبُ بالألحان متتسرباً إلى خريطة الجسم وحتى حدوث الطوفان!
دونكيشوت: عن أي طوفانٍ تتحدثُ أيها المخبول ؟
سانشو: أتحدث عن طوفان الدرجة الأولى . أحقاً لا تعرف ما الذي تفعله النسوانُ بالأوتار يا سيدي الدون؟
دونكيشوت: اللعنة عليك يا سانشو. أنا أفكر بتدوين النواح العراقي نوتات للسلّم الموسيقى، كي يكون شاهداً على إرث تاريخي، وأنت تحاول جرّ قلبي إلى عوالمَ الحريم !!
سانشو: ولكن ما فائدة ذلك، وليس من سامع لأوبرا العويل العراقي غير قبائل الطواحين. لقد تضخمَ أرشيفُ الجراح والآلام وهدير أنين أمهاتنا من دون توقف؟!
دونكيشوت: كأنك أصبحت عراقياً يا سانشو، وتحاولُ أن تستخرجَ من دماء التاريخ أنغاماً على درجات ريختر، لتطيل مآسي الناس ؟
سانشو: لا أبداً. ولكن قل لي: هل تحبُ الجاز يا سيدي الدون؟
دونكيشوت: وأحب المجاز، لأن به قيلولة التعبير اللغوي. وأنغمسُ بالمزاج، كونه يعكس ما في مرآة النفس. وأستعمل الزجاج لشفافيته.
سانشو: كنت أعتقدُ بأنني ذلك الديك الذي يشطب بصياحهِ آخرَ سطرٍ من الظلام، ظناً منهُ بأن الله قد نصَبّهُ ساعةً للزمان.
دونكيشوت: لا تأخذكَ الأحلامُ بعيداً يا سانشو، فقد ذهبت الأيامُ بصوتك الرومانسي، لتصبح ساعة (بيغ بن) تحت كل وسادة ترنّ .
سانشو: لم يُبقِ لنا الإنكليزُ شيئاً إلا وهيمنوا عليه أو شقوه إلى نصفين كالعادة.
دونكيشوت: تماماً. لذلك يجلسون في الشق الفاصل ما بين كل نصفين وكأنهم مؤبدون للتشقق والانشقاق!!
سانشو: أنت صائب. فأصابع الملكة في الطين تنبتُ .
دونكيشوت: وما معنى هذا الذي تقوله عن صاحبة التاج يا سانشو؟
سانشو: ليس شيئاً مهماً. فأصابع ست الدنيا التي لا تغيب عنها الشمس، لم تترك مهنة القصقصة هنا وهناك.
دونكيشوت: هل تحبُ خنافس الإنكليز يا سانشو؟
سانشو: ولا خفافيش ووهان عاصمة مقاطعة هوبي الصينية .
دونكيشوت: اللعنةُ عليكَ يا سانشو. أنا أحكي عن فرقة البيتلز الموسيقية، وأنت تفتحُ بئرَ شهيتك وتمضي كالسهم في قائمة الطعام، أملاً بوجبة ساخنة من الخفافيش والخنافس !!