الوسادة العربية

الرياضة 2020/06/29
...

محمد صالح صدقيان 
 

تمرُ المنطقة العربية بتطورات سريعة ومهمة، سواء في الشرق الاوسط اذ ان الملفات الامنية والسياسية والاقتصادية في كل من العراق وسوريا وايران ولبنان واليمن ما زالت مفتوحة على مصراعيها من دون ان تلوح في الافق ما يشير الى نهاية لهذه الملفات على ضوء السياسة التي تتخذها الادارة الاميركية ، أو في شمال افريقيا وتحديدا على الساحل الافريقي اذ تتقاطع المصالح في هذه المنطقة التي تريد استغلال الأوضاع في ليبيا للسيطرة ليس على حقول النفط والغاز في هذا البلد الغني ، وانما كما يقول الاوروبيون وتحديدا الايطاليين والفرنسيين الخبراء بتضاريس هذه المنطقة ، للسيطرة على القارة الافريقية. ما يؤسف له ان تكون المنطقة العربية ساحة للتقاطعات الدولية والخلافات الاقتصادية والجيوسياسية من دون ان تحرك هذه الدول ساكنا من اجل وضع حد لهذا الاستغلال الذي تدفع ضريبته التنمية والاوضاع الصحية والامنية والمعاشية للشعوب العربية . واذا كانت الاستقطابات السياسية والامنية في الشرق الاوسط تتمحور حول اللاعبين الرئيسين تركيا وايران اللذين يحاولان ابعاد النار المشتعلة عنهما في هذا البلد او ذاك بما يحقق مصالحهما القومية او على الاقل تنفيذ رؤيتهما للاستقرار في هذه المنطقة ذات الرمال المتحركة ، فان الساحل الافريقي العربي احتضن الاستقطاب الدولي المتزايد بخطورة مرتفعة المناسيب اذ تتنافس دول اقليمية ودولية واحلاف عسكرية ليس لترتيب الاوضاع واعادة الامن والاستقرار في الساحل الافريقي ، وانما من اجل تقاسم مغانم جيوسياسية وجيوستراتيجية تمتد على طول الساحل الافريقي ، وفي عمق القارة السوداء على وجه العموم . الموضوع الاكثر اثارة في الموضوع الليبي الانقسام الحاصل في حلف الناتو بين اعضاء متصارعين ، مختلفين في المصالح والتوجهات ، فهناك فريقان، الاول يدعم حكومة السراج في طرابلس ومعها تركيا وايطاليا بينما يدعم الفريق الاخر خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي بقيادة روسيا وفرنسا واليونان ، بينما تضع الولايات المتحدة الاميركية التي هي الاخرى عضو رئيس في حلف الناتو رجلا في طرابلس مع تركيا والاخرى مع حفتر في سرت في موقف يثير الكثير من الشكوك والريبة . هذه الطبخة المعقدة غير المتجانسة تجعل من المنطقة برميل بارود وان حاولت الاطراف المتنازعة السيطرة عليه لادارته بما يحقق مصالحها دون ان ينفجر بوجه الجميع . هذا الاستقطاب شكل تحديات ومصاعب في التموضع السياسي بالنسبة للقوى الاقليمية وبصفة خاصة مصر والجزائر وتونس ، اذ لم تنجح الجزائر من اقناع فرنسا في التخلي عن خليفة حفتر ، بينما يتفاقم الخلاف الاميركي الروسي في الموضوع الليبي ، اما تركيا فانها تسعى لجر حلف الناتو للدخول الى جانبها لدعم حكومة طرابلس باعتبارها الحكومة المنتخبة الشرعية التي تحظى باعتراف منظمة الامم المتحدة على الرغم من معارضة فرنسا واليونان .تاريخيا ، فرنسا وايطاليا موجودتان في ليبيا كما انهما كانتا في القارة الافريقية . الجديد دخول روسيا وتركيا لايجاد موضع قدم على حساب الاخرين ، في الوقت الذي ترى الدول العربية في الساحل الافريقي كمصر والجزائر ان من يلعب في هذه المنطقة يلعب في مجال الامن الحيوي لهما .  وليس من شك ان الفوضى الحاصلة في اوروبا بعد مرحلة كورونا تدفع بولادة تحالفات جديدة وخارطة سياسية تستند على خلافات كانت نائمة في مرحلة ما قبل كورونا استمدت الروح في ما بعده لتؤشر على وضع جديد قد لايطول كثيرا - كما يقول متابعون للوضع الاوروبي - ابطاله فرنسا وتركيا وايطاليا واليونان وايطاليا ولربما اسبانيا في اخر الجدول . هذه الخارطة تشم رائحة انسحاب او عدم اهتمام اميركي بحلف شمال الاطلسي الناتو في الوقت الذي تشم ايضا رغبة فرنسية في صياغة حلف جديد يكون بديلا عن الناتو فيما لو انسحبت منه الولايات المتحدة . المبعوث الاممي الى ليبيا غسان سلامة كان ذكيا عندما طلب بشكل مفاجئ لكنه متوقع اعفاءه من مهامه في الثاني من مارس اذار الماضي بعدما فشل في اقناع القوى الاجنبية بعدم التدخل في الشأن الليبي الذي يؤثر في مسار السلام بين القوى الليبية المتصارعة . ويبدو ان سلامة وهو الخبير بالشأن السياسي والقريب من العقلية الفرنسية السياسية انسحب في الوقت الذي اطمأن الا وجود لأمل في المصالحة الداخلية على ضوء الصراع الاجنبي والاستقطاب الدولي .ربما يكون المشهد الاوروبي او الدولي طبيعيا في مثل ما تمر به التطورات الدولية ، لكن من غير الطبيعي ان تكون الدول العربية مسرحا للتجاذبات الدولية ومنافسات الشركات المتعددة الجنسية للاستحواذ على النفط والغاز الذي تمتلكه الدول العربية سواء في العراق او سوريا او ليبيا او في بقية المناطق في وقت ينام العرب على وسادة غير صحية لا تأخذ بنظر الاعتبار مخاطر المستقبل .