كورونا والسياحة الفضائيَّة

استراحة 2020/07/01
...

عبدالزهرة زكي
 
بينما كان الناس، في كثيرٍ من بلدان الغرب، يخطون بحذر شديد إلى خارج منازلهم بعد انتهاء فترة (الإغلاق) فإنَّ بشراً آخرين يحجزون مقاعد لهم للمشاركة في رحلة فضائية لناس (عاديين)، وليس لرواد الفضاء المحترفين.

كان من المتوقع لهذه الرحلة الانطلاق العام المقبل، لكن شركة السياحة الفضائية فيرجين غالاكتيك التي تؤمّن الركاب لوكالة ناسا، تسعى جاهدة لتكون الرحلة هذا العام. وسبب هذا السعي هو الحرص على أنْ تترافق الرحلة مع العام السبعين للملياردير البريطاني السير ريتشارد برانسون، صاحب الشركة التي نجحت مؤخراً في تحقيق عقد مع وكالة ناسا لنقل الراغبين برؤية الفضاء. وبرانسون سيكون المسافر رقم واحد في الرحلة.
تقول أخبار الشركة إنَّ المسافرين سيحصلون مقابل ربع مليون دولار للراكب الواحد على رحلة لمدة 90 دقيقة يحلّقون خلالها حتى 100 كم فوق مستوى سطح البحر. هذا الارتفاع يقع مباشرة فوق خط كارمان الذي يقسم الغلاف الجوي للأرض والفضاء الخارجي. بعد ذلك، وفي أثناء الهبوط، سيختبر الركاب عدة دقائق من انعدام الوزن ويطفون حواليهم كرواد فضاء
حقيقيين. 
هناك من يمكن أنْ يستمتع بمثل هذه الرحلة. لكن يمكن النظر إلى (متعة) الرحلة، في اختبار انعدام الوزن والطفو مثل رجال الفضاء، على أنها لعب أطفال يمكن للعلم والتكنولوجيا تأمينه، في مستقبل ليس بالبعيد، في أية مدينة ألعاب.
قد لا يشكّل ربع المليون دولار، تكلفة المسافر الواحد، شيئاً يستحق الوقوف عنده، إنما هذا ممكن فقط بالنسبة لبعض قليل جداً من البشر، بينما اللعبة العابثة كلها لا تعبّر إلا عن بطرٍ حين يترافق الموضوع كله مع هذه الكآبة الكونية المتصاعدة من دخان الحياة التي يموت فيها عشرات الآلاف يومياً جراء كورونا بينما الأحياء منقسمون بين ملايين ممن ما زالوا يرزحون في كهوف منازلهم للوقاية من خطر الإصابة بكورونا وبين ملايين أخرى تخرج من تلك الكهوف مكرهةً لإدامة الحياة والاقتصاد والعمل.
واقع الحال أنَّ هذه الرحلة مظهر مرئي ربما سيحظى باهتمام غير أنه مظهر يخفي تحت طبقاته الثقيلة المسافة المريعة ما بين حياة وأحلام قلة من البشر مقابل ما لمليارات البشر من حياة بائسة وأحلام متواضعة.
قبل أيام استوقفني اسم عارضة أزياء أميركيَّة، غيغي حداد، من مواليد 1995، هذه الفتاة ومعها أخت لها، اختنقت برتابة الحياة في ظروف كورونا وهي تنتقل ما بين منزلها بنيويورك ومزرعة لأمها في ولاية أميركية أخرى، ولتتجاوز هذا الاختناق فقد عمدت إلى شراء سلسلة منازل في نيويورك وبما يكفيها لكسر رتابة أيامها وتجديد حيوية عيشها بمنزل جديد كلما ضاقت بها الحياة في واحد من منازلها الكثيرة. مثل غيغي قليلون طبعاً، ممن تعنيهم هذه الرحلة التي يمكن أنْ يتصادف فيها اسم واحد من أثرياء الفساد العراقي، كل شيء ممكن.