محمد جبير
حفل المشهد الثقافي والإبداعي بعد 2003 بالكثير من النكرات التي غزت الوسط الثقافي، مدّعية التهميش والمظلومية وعدم فسح الفرصة أمامها لإظهار القدرات الابداعية.
وقد يكون في هذا الكلام جانب من الصواب لو أن ماظهر بعد هذا التاريخ مايسرّ من إبداعات سردية متميزة، وذلك بعد أن صار النشر متاحا وبلا رقيب، وإنّ أيّ شخص يريد أن يطبع عملا ما يدفع للناشر ويصبح كاتبا لديه مؤلف يقوم بتوزيعه بنفسه على الأدباء والأصدقاء في المتنبي وقيصرية
حنش.
فلا تكاد تدخل شارع المتنبي في كل جمعة حتى تخرج منه وأنت مثقّل بكتب لأشخاص تعرفهم أو لاتعرفهم، قرأت لهم سابقا أو لم تقرأ لهم إطلاقاً، ويبقى الواجب الأخلاقي هو أن ترى ما في داخل هذه الكتب أو أن تعرف ولو شيئاً بسيطاً حتى تكون على بيّنة من التواصل مع القراءة أو عدم التواصل، لاسيما
أن مساحة الوقت تضيق أمامك أمام غزارة المنتج
الكتابي.
السؤال هنا، ألا يفكر هؤلاء بجدوى كتاب لا يقرأ ؟ ليعود مرة ثانية ويطبع كتاباًآخر في السنة ذاتها وبنسخ محدودة جدا، ويصنع لنفسه سيرة أدبية بعدد من المطبوعات، هؤلاء كثر، وكثرتهم صعّبت المهمة أمام الناقد المتابع لفرز الغثّ من السمين "كما يقال"،ألا يفكر على سبيل المثال ذلك الكاتب الذي يطبع أكثر من أربع روايات وفي رواية واحدة حجمها "100" صفحة، ألف خطأ لغوي واجتماعي وفكري وسياقي، ومتى يتعلّم الكتابة السردية وهو على مشارف
الموت؟
وماذا يريد أن يثبت بعد كلّ تلك التجارب الفاشلة، هل يريد أن يكرّرتجارب فاشلة لكُتّاب تناسلوا من زمن ماقبل التغيير إلى زمن ما بعد التغيير ليؤكّدوا وبإصرار فشلهم في كتابة نصّ سردي في المراحل المختلفة ويدّعون الريادة أو القدم في الحضور الأدبي، أيّة ريادة في الفشل وأيّه أقدمية بعدم تحقيق إنجاز إبداعي!
أمام هذه الصورة الكالحة والمظلمة للمشهد الابداعي، هناك في المقابل تجارب إبداعية على قلّتها لأسماء جديدة على الوسط الثقافي، استطاعت أن تلفت النظر إليها لما قدمته من منجز أدبي يستحق القراءة والإشادة به، بعيدا عن المجاملات الكاذبة والعلاقات الإخوانية أو
الغرضية.
هذه الأعمال وإن كانت قليلة أمام كثرة ما ينتج من قبل نكرات السرد إلا أنه تبقى نماذج مشعّة تشير إلى تميّزها بوضوح خاص، وتحفّز المتلقّي للبحث عنها والاحتفاظ بها أو الحديث عنها، إذ العمل السردي الذي يمتلك مواصفاته الإبداعية، يثير الحماسة لدى المتلقّي في الحديث عنه والترويج له بكل محبة، لأنه يريد أن يتخلّص من ركام النكرات الذي شوّه صورة المشهد الإبداعي، ودفع الكثير إلى العزوف عن القراءة، وهو الأمر الذي حفّز الكثير من المبدعين العراقيين الذين يعرفون قيمة منجزهم الإبداعي للطبع خارج العراق وتأكيد حضورهم في المشهد الإبداعي العربي بعيدا عن تراكم نتاج النكرات السردية، وحقّقوا تقدما واضحا في مشاركتهم في الجوائز الأدبية في مختلف البلدان العربية ليكونوا الوجه المشرق للإبداع العراقي الذي عرف بتميّزه وأصالته
ورصانته.
أدعو في هذا إلى أن يراجع هؤلاء أنفسهم قبل أن يقدموا على خطوة الطباعة وإصدار الكتاب، وأن يسألوا أنفسهم ما جدوى من طباعة هذا النصّ، وما الذي يمكن أن يقدّمه من إضافة إلى ماهو موجود من النصوص، ولو أن هذا الطلب صعب لأنه يريد أن يكون معروفا ومشهورا بغضّ النظر عن المستوى الفني، وهذا الأمر يتطلّب بعد ذلك معالجات ووقفة جادة من اتحاد الأدباء بوصفه الجهة المعنوية التي
تسعى إلى ترصين المشهد الثقافي وتنقّيته من
الشوائب.