حميد المختار
برحيل القاص والروائي حميد الربيعي يكون قد اكتمل الفقدان الكبير لمربع السرد العراقي، فمنذ رحيل الروائي سعد محمد رحيم ثم أسعد اللامي وبعده محمد علوان جبر وأخيراً حميد الربيعي، ولا أريد أن أذكر جميع الذين رحلوا من ادباء العراق بسبب كورونا أو غيرها، فهم كلهم مهمون وأعزاء وقد تركوا أماكن شاغرة في القلوب لايمكن ملؤها أبدا، لكنني هنا أريد التركيز على هؤلاء الأربعة الذين شكلوا مربعا ذهبيا للسرد العراقي قل أن يحدث في أمكنة وأزمنة أخرى، على الرغم من أن أسعد اللامي ومحمد علوان جبر وحميد الربيعي برزوا بشكل جلي بعد سقوط النظام السابق إلا سعد محمد رحيم فقد
كان مخضرما لأنه عاش العهدين الدكتاتوري والديمقراطي بوجوده الفاعل وغزارة إنتاجه السردي والتنظيري، لكنه شكل مع زملائه الثلاثة مربعا سرديا مائزا استطاع ان ينتقل بالسرد العراقي إلى مراحل متقدمة سواء في الرواية او في القصة القصيرة، وخصوصا ماكتبه محمد علوان جبر وحميد الربيعي في القصة القصيرة، إذ أعادا لهذا الفن الصعب الاعتبار من جديد، ويبدو لي أن همهما كان قصصيا أكثر منه روائيا على الرغم من إجادتهما كتابة الرواية والبراعة فيها، لكنهما أبدعا أكثر في القصة القصيرة، ونالا الجوائز على ذلك خصوصا الربيعي في مجموعته الأخيرة "غيمة عطر" التي حصلت على جائزة الإبداع مؤخرا من وزارة الثقافة العراقية، بينما محمد لفت إليه الأنظار وكتب عن مجاميعه القصصية بغزارة، تلك المجاميع التي اوصلت القص العراقي إلى محطات لافتة ومبهرة، فالعكاز الأخير والرحلة العجيبة وتفاحة نيوتن والشرق البعيد كلها قصص زاخرة بالفن والحرفة العالية، إذ
استوقفت نقادا كثيرين ومعجبين ومتابعين اكثر.
وقد كتبت أنا عن أغلبها وكنت خبيرا لمجموعة تفاحة نيوتن، اما سعد محمد رحيم فهو اسم راسخ في عالم الرواية والدراسات الفكرية والنقدية، وقد وصلت روايته مقتل بائع الكتب إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر وأخرى إلى
كتارا.
اما اسعد اللامي فهو روائي محترف هو الآخر لكنه من الأسماء التي ظلمت بسبب قلة ماتناوله النقاد لفنه الروائي، فهو واحد من الأصوات السردية التي وعت مهمتها بحرفية عالية وصار يوظف حتى مرضه العضال في رواياته ويؤرخ لألمه ومعاناته وهو يصارع المرض الخبيث وينتصر للحياة والجمال والابداع وكذلك زميله حميد الربيعي الذي ظل يحارب مرضه كما لو كان محاربا أسطوريا يدخل معترك الآلام العظيمة يقاسيها ويعيشها ثم يعود إلى كتابته السردية المبهرة، وكذلك فعل سعد محمد رحيم بكل هدوء، لأنه كان هادئا وصامتا لكنه في الآن ذاته كان ضاجا بالحياة والكتابة والتحولات المستمرة في فنه الكبير، ويبقى محمد علوان جبر الذي خاض الطريقين الروائي والقصصي وحقق قفزات نوعية لفتت اليه الانظار لكن رحيله المفاجئ وهو في قمة عطائه صعقنا جميعا كما لو ان تيارا كهربائيا بفولتية عالية أصابتنا وأخرستنا من هول الفاجعة، سيبقى هذا المربع السردي الذهبي ماثلا في الأذهان والقلوب، وسيظل مرجعا وتاريخا لصعود فن السرد
العراقي إلى ذروته، رحمهم الله جميعا وأدخلهم في فراديسه العالية.