أسعد الجبوري
دون كيشوت: لم يرسم أحدٌ هذي الطواحين. لا بيكاسو ولا فان كوخ. أليس ذلك بالأمر العجيب يا سانشو؟
سانشو: أجل يا سيدي الدون. وقد يحزّ ذلك بالنفس كثيرا !!
دون كيشوت: كان عليك أن تتنبه لتلك الكارثة، وتراسل الفنانين وتحثهم على تلافي مثل تلك الحماقة. فنسيان الطواحين، نسيانٌ للعضلات هذا الرمح المجاهد في الحروب التي خضناها بالعرض وبالطول وبالارتفاع أيضاً .
سانشو: لقد كتبت للسيد سلفادور دالي، وأرسل لي لوحةً تعنيك. قال هذه صورة السيد الدون كيشوت الأفضل في التاريخ.
دون كيشوت: ولكنك لم تخبرني بذلك أيها الأحمق. لماذا فعلت ذلك بحق الشيطان يا سانشو؟
سانشو: خفت عليك من الصدمة يا سيدي الدون .
دون كيشوت: وهل حاول سلفادور الاستهزاء أو تحطم رمحي، فأتاكَ الخوفُ على مخي من الانفجار يا سانشو ؟
سانشو: أجل يا سيدي الدون. كان دالي وقحاً. فهو لم يرسم الطواحين، بل رسم الحروب التي كانت تتصارع بداخله. وجعل منك شخصاً نحيل القامة ومتهالكا على وشك الانقراض. لذلك خبأت عنك تلك اللوحة كي لا تثور على أعظم رموز الفن التشكيلي !
دون كيشوت: وهل تعتقد أنني أعاني من حروب داخلية، ما تزال تتفاعل في أعماقي أسوةً بحروب دالي الجنونية وهوسه بأعماله التي لا يحدّها حدٌّ؟
سانشو: لا علاقة لي بتفكير سلفادور يا سيدي، بل كنت أعتب على زوجته (غالا) التي لم تحسن تربيته بشكل لائق.
دون كيشوت: لا تأتي على ذكر تلك المرأة المتسلطة الخبيثة. فأنا لا أحب غالا مثل قطعان الثيران.
سانشو: معك حق يا سيدي الدون. فتلك امرأة سبق وان استحوذت على عقول كثيرين سواه، ولم تكن سوى متسلطة شمطاء وقبيحة.
دون كيشوت: أدرك ذلك. فحينما انتزعها سلفادور من قبضة أندريه بريتون وتزوجها رغماً عن أنفه، سرعان ما حطت يدها على عقل الرسام ومنتوجات مرسمه السوريالي كاملا.
سانشو: ربما لذلك هربت من الشاعر المفلس إلى حضن الرسام الثري. ليس لأنها شبيهة بريجيت باردو، لتأكل الدبس برؤوس ركاب سفن الإبداع الخاصة بأهل الفن !!
دون كيشوت: ها أنت قلتها بعظمة لسانك.
سانشو: وإذاً.. فلمَ تعوّل على دالي بأن ينشغل بمعاركك يا سيدي الدون، وهو لم ينتهِ من مشاكله مع زوجته العجوز التي تركته مسجى على فراش الموت في المستشفى وذهبت لتعيش مع المغني الشاب العشريني (جيف فينهوليت) مما جعل سلفادور ينهش وجهه بأظافره ويترك في وجهه أنهارا للدم.
دون كيشوت: ما يهمني الآن يا سانشو هو تحرير السوريالية من اثنين : شاعر اسمه بريتون. ورسام اسمه دالي.
سانشو: كيف يمكن تحريرهما، وكانا من أبطال الجنون؟
دون كيشوت: لقد بهتت أرواح نصوصهم وأعمالهم التشكيلية بظهور موجات جديدة من الشعراء والرسامين.
سانشو: ليتك تفعل ذلك بحق يا سيدي الدون. فلا يجوز تكريس الفن أو الشعر للعبودية.
دون كيشوت: هل رأيت كيف أزيحت تماثيل الأساطين ممن تاجروا بالبشر، وجعلوا منهم عبيداً في أميركا وأوروبا ؟
سانشو: أجل. لقد ملأت عيني الدموعُ من نشوة فكرة الانتقام من نُصب أولئك التجار الذي كانوا يحملون الزنج بالسفن إلى القارة الأميركية في قديم الزمان، ليكونوا مخلوقات لا تصلح إلا للخدمة والجلد والتعذيب والموت بفضل قوانين العبودية والعنصرية التي جعلتهم زنوجاً أقل شأناً من الحيوانات.
دون كيشوت: لو وجد فيما وراء هذه الطواحين تماثيل لتجار العبيد، لقمت أنا بطعنها برمحي حتى الموت.
سانشو: أعرف شجاعتك يا سيدي جيداً. ولكن متى تحرر عبدكَ الأبيض سانشو؟