حسين الصدر
- 1 -
يشتط الكثيرون حين تسيطر عليهم أمواج الغرور ، ويخيّل اليهم أنهم الأعلون ..!!
وأنهم القادرون على ان يفعلوا ما يريدون ..!!
ثم تمضي بهم الايام واذا هم يتحولون الى حالات من البؤس والاحتياج الشديد يرّق لها حتى الأعداء ..!!
نعم
قديما قيل
“الدهر إنْ أَنْصَفَكَ فيومان ، يومٌ لكَ ويومٌ عليكَ “
والدنيا دُول
قال تعالى
“وتلك الأيام نداولها بين الناس ...”
- 2 -
ومن أبرز الشواهد التاريخية على تقلبات الدهر بِأَهْلِهِ حالةُ (مزينة) زوجة (مروان بن محمد) آخر خلفاء بني مروان
فقد جاء في التاريخ
إنَّ خادمةً (للخيزران) – زوجة المهدي العباسي وأمّ الهادي والرشيد ، والتي كانت لها منزلة رفيعة، بحيث أنّ بنات بني هاشم جميعهن في خدمتها ، ومنهن زينب بنت سليمان بن علي ، والتي عبّر عنها المهدي العباسي : انها عجوز عالمة ،
دخلت هذه الخادمة على الخيزران وقالت لها :
إنّ بالباب امرأةً ذات حسن وجمال ترتدي ثيابا عتيقة ، تطلب الاذن بالدخول ،وتمتنع عن ذكر اسمها قالت الخيزران: أدخليها فلما دخلت اذا هي امرأة في غاية الكمال والجمال، ذات لسان فصيح ، وبيان مليح ، ولباس عتيق ، فقالوا :مَنْ تكونين ؟
قالت :أنا مزينة امرأة مروان بن محمد ، وقد انتهت بي الايام الى ما أنا عليه ،
أما واللهِ: انّ هذه الثياب التي عليّ ليست لي وانما هي عارية ،
وها أنذا قد وفدتُ اليكم علني أفوز بالدخول في حجابكم
أسمعتَ ما قالت ؟
انّ ثيابها مستعارة ..!
ولم تكن بالثياب الأنيقة وانما كانت رثةً عتيقة ..!!
فما بالك بسائر أحوالها الاخرى ؟
لقد رقّت لحالها الخيزران وغلبها البكاء ، ثم قالت لمزينة : أتذكرين يوم كنتِ تجلسين على هذا البساط في (حرّان) وقد دخلتُ عليك التمس إعطائي جثة ابراهيم الامام كي ندفنها،فما كان منك الا أنْ نهرتِنِي وقلتِ لي :
وما دخل النساء بعمل الرجال ؟
قالت مزينة: ان ذاك السوء هو ما أوصلنا الى ما نحن عليه الآن ، فانقلبت أيامنا سُوداً ،
قالت هذا وخرجت وهي تجهش وتتلو الآية الكريمة :
“وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنةً مطمئنة يأتيها رزقها رَغَداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون”
النحل / 112
انّ الاعتراف بالخطأ لابُدَّ ان يكون قبل فوات الأوان ، أمّا اذا تأخر فلن يجدي نفعا ..
والمهم أنَّ (مزينة) حظيت من ( الخيزران) ومن زوجها (المهدي) برعاية كاملة، وبقيت أيام المهدي والهادي وشطراً من أيام الرشيد ،حتى وافتها المنية ، وكانت خلال هذه الفترة تُعامل وكأنها من نساء بني
هاشم
وقيل عنها: “انها كانت فصيحة اللسان ، تتحدث لا كما تتحدث النساء”
هذه احدى القصص الكثيرة التي حفلت بها كتب التاريخ ،وهي تصوّر انقلاب الحال من نعيم ورخاء الى شدّة وبلاء
وصدق الشاعر حين قال :
انما الدنيا عواري والعوارِي مستردّة
شِدّةٌ بعد رخاءٍ ورخاءٌ بَعْدَ شِدّة
ومن التاريخ البعيد الى التاريخ المعاصر ويكفيك أنْ تعلم أنّ (عدنان الخاشقجي)- وهو أحد أكبر الاثرياء في العالم –انتهى به الحال الى أنْ يتصدق عليه بعض المحسنين لتغطية احتياجاته الشخصية .
انّ المال عَرَضٌ قد يزول
أما العمل الصالح فانه باقٍ لن يزول
قال الشاعر :
واذا افتقرتَ الى الذخائر لم تجدْ
ذُخراً يكون لصالح الأعمالِ
فطوبى لمن أصلح، أعماله وكتبَ لنفسه النجاة في الدنيا والآخرة بعيداً عن كل الوان الاهتزاز والانقلاب .