كبار السن يحتفلون بأعياد الميلاد

اسرة ومجتمع 2018/12/31
...

بغداد / شذى الجنابي
بالرغم من امراض تقدم العمر الكثيرة التي ألمت بالمسنين، إلا أن فرحة الاحتفال بالعام الجديد ادخلت على قلوبهم البهجة من خلال تجمعهم معاً بعيداً عن ابنائهم وعوائلهم والتي لعبت الظروف في تفريقهم،  حيث يعمل القائمون في الدار على نشر الفرحة وتوفير الأجواء الخاصة بالاحتفال بدءا من ارتداء الملابس الجديدة التي تبرع بها الميسورون والمنظمات، وصولا الى الحلويات والزينة ومختلف الطقوس التي تسعدهم وتضفي على نفسياتهم بعضاً من الراحة والاطمئنان في تلك المناسبة 
تزيين الشجرة 
شروق رحيم الساعدي مديرة دار رعاية المسنين في الصليخ تؤكد “ في الاحتفال بهذه المناسبة  يقوم النزلاء بالتعاون فيما بينهم بتغيير الستائر والفرش ،وتتم دعوة الحلاقين الى الدار لحلاقة النساء والرجال ،وارتداء الملابس النظيفة ، واغلبهم يفضل البقاء مع زملائه في الدار للاحتفال بهذه المناسبة ولا يذهب لعائلته ونحن نباشر بتزيين شجرة الميلاد وشراء الكيك والحلويات وتوزيع الهدايا لهم، إلى جانب تنظيم رحلة لاحد المراقد الدينية او جولة في المتنزه وغالباً ما نراهم فرحين كالاطفال ينتظرون اي مناسبة للاستمتاع
 بها”. 
واضافت الساعدي قائلة:  “تحتوي الدار على 27 مسناً ، وعدد المسنات 20 امرأة، اذ ان اعدادهم كبيرة اكثر من الطاقة الاستيعابية ، وحاليا نقوم بترميم بعض الغرف لجلب النزلاء الفائضين فيها ، لان كل غرفة تضم اثنين فقط من النزلاء، فضلا عن بناء قاعة كبيرة لاقامة المناسبات، ومن جانب اخر خصصت هيئة الحج مشكورة مقاعد للنزلاء لاداء مناسك الحج والعمرة سنوياً “.
 
الشعور بالوحدة
ووصفت الساعدي حالتهم موضحة “ رغم مساعينا العديدة لتوفير الاجواء النفسية المناسبة لهم لكن من الطبيعي ان يكون شعورهم الغالب هو الحزن والوحدة  وهذا ما نراه فى عيونهم، ولا يغيب سؤال يومي عن بالهم يرددونه باستمرار “ماكو احد اتصل يسأل عنا “ وانا شخصيا اواجه مشكلة كبيرة في تلك المناسبات، نظراً لانتظار معظم أهالي الدار للاتصال أو الزيارة ، وفي بعض الاحيان نضطر إلى التوسل بابنائهم للاتصال بهم والاطمئنان عليهم حتى ندخل السرور الى
 قلوبهم.
 
حياة شاقة
في غرف متلاصقة يقضون سنواتهم المتبقية ببطء، لا يستطيعون رفع أطرافهم بسهولة نظراً لاعمارهم الكبيرة التي طعن بها المرض بعد حياة شاقة مليئة بالمتاعب ينتظرون نهايتها بهدوء في دار تجمعهم سوية  للتحدث عن قصص أولادهم وبيوتهم في سنوات الشباب، يقضون اغلب أوقات يومهم الممل في السرير، واخرون منشغلون  بأعمال الحياكة والمشغولات اليدوية البسيطة او قراءة الكتب والقصص لتسلية اوقاتهم في عمل اعتادوا عليه أو حاولوا تعلمه للتخلص من اوقات
 الفراغ. 
والبعض الاخر منهم يفضل متابعة الاخبار والمسلسلات التاريخية من خلال التلفاز، وتمر الساعات عليهم ببطء بانتظار زيارة أو سؤال أو سماع كلمات تهنئة “كل عام وانتم بخير ، وسنة سعيدة “ في تلك المناسبة قد تتذكر عائلاتهم عزلتهم داخل دار المسنين.
 
تبادل التهاني 
نسرين قاسم محمد البالغة من العمر 52 عاماً ولديها ثلاثة ابناء ، لا يختلف وضعها كثيراً عن غيرها من المسنات اللاتي يجاورنها الغرف سوى الدموع التي تسكن عينيها باستمرار، لا تغيب عن بالها ذكرياتها الاليمة التي قضتها تعمل بلا كلل وحدها في تنظيف البيوت لتوفير لقمة العيش لاولادها وايجار السكن ومصاريف الدراسة بعد اغتيال زوجها على ايدي الارهابيين  في العام 2007 وتركها مع متاعب الحياة  لسنين طويلة ، ومصاريف زواج ابنائها واحدا تلو الاخر ، وابتعدوا عنها لا يسأل اي واحد منهم عنها وحاولت السكن مع احد ابنائها لكنها  وجدت الرفض من زوجاتهم وضجرهم من وجودها، لم يحتملها أحد منهم وشعرت بحملها الثقيل عليهم، ففضلت الرحيل في صمت حتى استقرت بدار  المسنين .
أما عن مشاعرها في نهاية العام وبداية سنة جديدة وصفتها بانها مناسبة خاصة ارتدي ملابسي الخاصة التي احتفظ بها منذ العام الماضي للجلوس بين اخواتي المسنات للاحتفال معهم بالمناسبة ، وامسك هاتفي المحمول للاتصال بشقيقتي التي تزورني باستمرار ونتبادل التهاني والتبريكات فيما  بيننا. 
واتمنى في هذه المناسبة السعادة لاولادي وابنائهم وان تعم الفرحة في بيوتهم وان لا يتناسوا وجودي في حياتهم ويقوموا بزيارتي، اذ اشتاق اليهم دوماً، و اتمنى ان اراهم قبل مماتي .
 
السعادة والفرحة
فاطمة وهيب البالغة  50 عاماً لديها بنت متزوجة وطفل معاق، وهي تعاني من مرض بالحبل الشوكي وتجد صعوبة بالمشي وقالت: توفي زوجي وبعدها طردتني ابنتي في الشارع ودخلت الدار منذ سنوات طويلة واصبح هذا المكان بيتي ، ليس لي أقرباء، بل أهلي وأقاربي هم من يسكنون معي، ونحن نهنئ بعضنا البعض في مناسبات الاعياد وسنحتفل غدا بالعام الجديد، وإن شاء الله تكون الفرحة واحدة لنا جميعا، وفي تلك المناسبات يزداد شعورنا بالحاجة لمن يقول لنا “ كل عام وأنتم بخير” ويمنحنا السعادة والإحساس بأننا غير منسيين، وكل من في الدار هم أهلي وعائلتي ، و إدارة الدار وجميع العاملين أسرتنا الكبيرة الذين يقدمون لنا الرعاية بحيث نسينا كل همومنا الماضية، والمتاعب التي وجدناها في حياتنا ، رميناها وراء ظهورنا، وكما عشنا الأفراح في الأعياد الماضية سوف نعيش الفرحة مجددا في هذه المناسبة. واسأل الله أن يديم الخير لبلدنا وان يحفظ ابناءنا من كل مكروه ويتذكروا آباءهم وامهاتهم.
 
خريف العمر
دموع تسكن في عيون نادية حسان ( ام شاهيناز ) عضوة ملتقى سيدات بغداد ، وواحدة من المتبرعات بالحلويات لاقامة احتفالية اعياد الميلاد ورأس السنة، وتجهيز المسنين بالملابس لارتدائها في هذه المناسبة. 
وقد وصفت مشاعرها قائلة: انا يتيمة الابوين وقررت الاحتفال معهم مع مجموعة من السيدات كفريق عمل واحد وتوفير جميع متطلباتهم، ومشاركة هذه الفئات همومها وفرحها ومحاولة إدخال السرور عليهم للتخفيف عنهم وإشعارهم بأن المجتمع يلتف حولهم وهم ليسوا بمفردهم في مرحلة خريف العمر لأنهم الأكثر احتياجا للدعم النفسي والمعنوي.
 وبينت لقد قمنا بزيارة جميلة نحمل لهم فيها هدية متواضعة كثوب أو عطر أو أي شيء آخر يبث الفرح والسرور في قلوبهم ويجعلهم يشعرون أن الدنيا ما زالت بخير، وأن هناك من يتذكرهم ويتذكر عطاءهم للمجتمع ويحاول رسم البسمة على وجوههم.