الثقافة والنهضة

ثقافة 2020/07/08
...

ناجح المعموري 
 
الثقافة أكثر المفردات تردداً بين الأفراد والجماعات وهي التي حتى اللحظة لم يتم الاتفاق بشأن المفهوم الإجرائي حولها، فظلت مصطلحاً متحركاً قابلاً بما تفرضه التحولات الاجتماعية والاقتصادية، بحيث حازت سيرورة مستمرة. 
لكن بالإمكان وضع حدود متوافق عليها، لا تغادر المتعارف عليه والمرتبط بالحياة اليومية والمألوف الخاص بالحاجات، والمتطلبات الخاصة بالفرد والجماعات، كي تتمكن من تأمين حياة مقبولة، تتوفر فيها حدود ارتضاها الانسان آنذاك، كي يحمي نفسه وأسرته من تغيرات الطبيعة، ومقاومة الظواهر القاسية. 
أنا أعتقد بأهمية هذه العتبات لأنها تهيكلت عليها تمظهرات ثقافية، أسست مرحلة حضارية جديدة، لها علاقة باللغة / العلامات/ الرسم/ الغناء/ الرقص ولعبت مثل هذه التمظهرات في رسم حدود مبكرة للدين والطقوس والمعتقدات، وتحولت معاً مجالات ثقافية متنوعة أسهمت بردم الفجوات الناشئة بسبب العنف وانعكاساته على السلوك اليومي، بمعنى وجود إمكانات في إعادة اليومي وتوظيفة بروح مغايرة، بعد وجود توافق بين 
الأفراد .
ومن أجل منح الثقافة حضوراً مساهماً بصياغة العناصر الوطنية للهوية الكبرى، لا بد من جهود مضاعفة للالتقاط الثقافي المشترك، في ظل ارتباك الأمن واختلال السلم الاجتماعي والأمن الأهلي، حتى نتمكن من صياغة برامج خاصة للمشاريع الصيانية. ويسمح هذا الجهد بانتاج ثقافة مشتركة بشروط وظيفية مسبقة، تساعد الفعاليات الانتاجية الخاصة بالأفراد والجماعات. ومثل هذا المشروع يستدعي الانتباه للدور الجوهري الذي لعبته الطبقة المتوسطة بانتاج الثقافة، وأسهمت بدور بارز في فكر النهضة الذي تميزت به الاربعينيات وما بعدها، ولا بد من المساعدة على توفير العناصر الاقتصادية الفاعلة في تكوين الطبقة الوسطى من أجل المصلحة الحقيقية المقترنة بالثقافة. 
ومنح العقل فرصته لتوسيع فضاء التنوير وتفعيل الحوار بين الجماعات المختلفة وإتاحة الفرص الواسعة من أجل تغذية القبول بالآخر الوطني، المتباين، وهذا التمظهر الضروري فاعل في تنمية الفرص التي تحتاجها الثقافة، التي دائماً ما تكون مؤهلة لأداء دورها التنويري/ والفاعل. لكن لا بد من التذكير بأن هذا الحلم بالتشكيل الطبقي يحتاج فواعل اقتصادية وبرامج اجتماعية حتى تنمو الجماعات ذات الملامح الاجتماعية/ القافية/ والسياسية لترسم ملامح الطبقة الوسطى، التي ستكون صمام أمان لحاضر مزدهر الثقافة، مع ضمان لمستقبل محمي بتنوعات الثقافة/ مثل الادب/ الفن/ الفكر/ العلوم الانسانية... الخ.
 
الثقافة سلاح ضد الإرهاب
الارهاب هو الذي استدعى الورشة الخاصة بالثقافة، بوصفها السلاح الكفيل بالقضاء على الارهاب ومظاهره المتمثلة بالعنف ووسائله الضاغطة على المواطن .
لم يولد العنف في المدن المظلمة او الكهوف، والمغاور، بل شهدت المدن الكبرى ولادته وتجاوزه لمرحلة طفولة التكون، هذا يعني تسلحه بكل ما توفره الحضارة الحديثة والعولمة من تقنيات ووسائل اتصال. ومعروف بأن العنف، يستولد العنف ويدمر التجارب الديمقراطية الناشئة تواً، وتصير الحاجة للجماعات المسلحة ضرورة قصوى، ولعل أشهر توظيفات الارهاب لكسب معاركه الكبرى، هي الصورة ولعل قفص معاذ الكساسبة سيظل بالذاكرة الجمعية، مع التصويتات والبيارق السوداء وهي تدخل 
الموصل. 
إذن لا يكفينا السلاح للقضاء النهائي على الارهاب، بل نحن نحتاج الثقافة والفن ووسائل الاتصال الحديثة حتى تنجح تجارب الشعوب المغزوة بدحر الجماعات الارهابية. 
الحل الوحيد هو رقي الانسان وتطور وعيه وقدرة عقله على معاينة ما يجري، والتشارك مع الآخر الوطني من أجل نجاح الوظائف المطلوبة. هذا ولا بد من التذكير بأهمية الوسائل التي تتوفر للجماعات الارهابية من امكانات خيالية في مجال الصورة والشريط الفيلمي والقدرة الفنية الإخراجية التي تجعل من الصورة/والشريط سلاحاً جباراً: ظاهرة داعش ثقافية. ودحرها بالآلية الثقافية وعلينا أن نذهب لذلك .
 
التنوع والخصوصية الثقافية
الانتهاك الذي حصل ويحصل باستمرار بسبب العنف يخلخل الخصوصية المميزة للجماعات، وهذا يحتاج تحصيناً للأفراد من تأثير أكبر من 500 قمر صناعي، تبث كلها تمثيلات للسياسات الاعلامية المرسومة من قبل الاخر، كي يقدم الشرق او البلدان المغزوة بداعش بالصورة النمطية التي يريدها. 
ويتطلب مثل هذا المشروع الغربي الافادة من العقول الاعلامية ذات الخبرة الحديثة، القادرة على تكوين مجال مضاد للآخر وتحصين المواطن. للتربية والتعليم دور بارز في ثقافة الحاضر وامتدادها نحو المستقبل، إنهما يلعبان ما يساعد على انتاج ثقافة تتحول من ثم الى ملاذ ثقافي، صياني، يتوفر على قدرات وطاقات حماية وأمن ثقافي، مع ترصين 
للعقل. 
واعتقد بأن العناية ودور النهضة الذي لعبته مصر خلال فترة محمد علي باشا، التي مثلت في الدرس السوسيو ــ سياسي فترة نهوض كبيرة في حياة، وضع عتبتها رجل الدين التنويري رفاعة الطهطاوي الذي يمثل حتى هذه اللحظة رمزا تنويريا وملاذا ثقافيا ومعرفيا، نجح في تحقيق نهضة كبرى في مصر، ما زالت حاضرة وهي التي فجرت الثورة الشعبية التي أسقطت حركة الإخوان
الإرهابية.