ما عيوب النقد الفني؟

ثقافة 2020/07/13
...

خضير الزيدي 
 
 
أول الأسباب المتعلقة بعيوب الناقد الفني تكمن في حياديته وعدم موضوعيته، ومرد الأمر عائد لأسباب نفسية وأخلاقية هذا القصور يشكل مركزاً لمشكلات كثيرة وآراء مجانية ونزعات عدوانية ستأخذ دورها في القادم من الأيام. ولكنْ ماذا لو كان الناقد الفني موضوعياً ويشير وفقاً لمنظومة وآليات نقدية ومعلومات موثقة إلى أخطاء فنية وعيوب في الرسم وطرق اشتغاله، هل يمكن للناقد أنْ ينجو من سطوة ألسنة الفنانين، هل سيجد اعترافاً منهم بأخطاء الرسم وهيمنة التأثير والانتحال وحتى تزوير لوحات لأقطاب من الجيل الستيني. ممكن أنْ يكون هذا التساؤل طريقاً يفضي بنا إلى أهمية الناقد الفني ودوره في توجيه الفنان ومتابعة منجزه ومع هذا علينا تشخيص العيوب المتبقية، إذ ثمة غياب لمصادر النقد الفني من قبل أساتذة الفن العربي لو تمت مقارنته بالنقد الأدبي فالغالب منهم يتطرق لمناهج وآراء غربيَّة بينما يغيب النقد العلمي الموضوعي الخاص بنقد الهوية في الفن ومرجعية التأصيل، وانشغل غالب نقادنا بذكر الأسماء الفنيَّة الغربيَّة وكأنهم قاموسٌ معرفي لا بدَّ من العودة إليه، بينما غيبوا بشكل متعمد فنانين مرموقين شكلوا تجربة مهمة في مشهد الفن العربي والعراقي معاً، فكرة العودة الدائمة والتذكير بالإرث الفني الغربي غيرت من رؤية المتلقي والفنان معاً، فما أنْ تذكر فناناً عربياً حتى يشار إلى إحالات فنان غربي وما أنْ تعطي تقييماً حتى يشار لمدارس الغرب. نعم ثمة وقائع حقيقة وإخلاص من قبل الغربيين لفنهم ولكنْ بعد أنْ مرَّتْ سنوات بعيدة لينبهنا النقاد بمنجز موندريان وماتيس ودافنشي بينما لم أجد من يقرأ ضمن التحليل السيميائي لوحة ضياء العزاوي (صبرا وشاتيلا) ويعيد وحداتها وشفراتها بالتحليل المنهجي. الأمر الآخر ما زال بعض من الفنانين متمسكاً بسرديات شاكر حسن آل سعيد وطروحاته التنظيريَّة الغامضة ولم نعرف وفق أي تصور أخلاقي نرى من النقاد والفنانين من يقف بالضد منه من دون تحليل لمصادره ورؤيته في الفن.
هذا التشويه تجاه الآخر فرض نوعاً من النقد غير المنطقي الذي على أساسه تعامل فنانون ومتذوقو فن ونقاد استسلموا لآراء الآخرين. الأشد وطأة من تلك العيوب تكمن في حساسية العلاقة الثنائية المبنية على توافق أو خصام اجتماعي بين الناقد والفنان فهذه الإحالة الطبيعية تنعكس سلباً على مجريات العمل وتحليله، ولهذا أنجر الغالب منا نحو معرفة السلوكيات النفسية وتحديدها كمقوم أخلاقي، وعليه لم نجد حداً فاصلاً بين العمل وسلوكية صاحبه. في حدود معرفتي أجد (الغالب) من الفنانين العراقيين وقعوا تحت طاولة المجاملات والنفاق الاجتماعي أو العداوة الشخصية مع أنهم أسماء مهمة في مشهد الحياة الفنية؛ ويرجع السبب لفقر أخلاقي في سلوكياتهم وتبعيات نفسية وجدت فيهم منذ النشأة الاجتماعية (عوامل الفقر، والحسد، والنميمة، العيش في الغربة) وهذا حدا بأنْ تتشكل جماعات (تؤيد وتختلف) لا على أساس الفن والذائقة الجمالية إنما لأسباب شخصية، لا أعلم إنْ كانت هذه الظاهرة موجودة في المجتمعات العربية الأخرى أم فقط بيننا.
عامل دور قاعات الفن وأصحابها شكل حالة انكسار، إذ لا يتعامل صاحبها بحس مختلف ومسؤولية، فبالإمكان أنْ نجد فناناً مزوراً لحقائق وأصول العمل ومرجعياته ويعرف طريقة تزويرها وكيف يتأبطها صاحبها مدعياً أنها (لفائق حسن)، مؤكد أنَّ الهم عند أصحاب الكاليريهات الربح المادي.. فهل تغيرت المعايير؟ ومن المسؤول عنها؟ عليّ هنا أنْ أعيد عبارة ماركيوز (إنك حين تلغي الحدود الفاصلة بين الفن والواقع، فإنك تبشر بموت الفن) أليس هذا هو الواقع، وهذا الفن.؟ نعم لقد صدقت مقولة بن جونسون (لدى الفن عدو اسمه الجهل) ولكن إلى متى؟ في حوار مع ضياء العزاوي تناولت معه أهمية دور الناقد الفني والعيوب التي ترافقه، حمّل الجامعات المسؤولية في ذلك، مؤكداً أنَّ النقد حقل تخصصي في الجامعات الأوروبية، هذا الكلام صحيح في حياتنا اليوم من غير الممكن أنْ يختفي الكثير من أصحاب الشهادات العليا في الفن عن دور الرقيب الفني والناقد في ذات الوقت، أيضا ثمة عامل مخيف سقط به نقاد الفن أما اللجوء إلى اللغة التقريرية المبسطة الداعمة لمدح الفنان أو التمسك بكتابة نص نقدي متشعب لا تعرف ماذا يريد قائله أنْ يبين لنا.
لم نجد في جميع البحوث ملامح حداثة في خطاب النقد الفني بما يثير عند الفنان تغيراً في عمله وتتبع مرجعيات لوحته. إنتاج الفن لا يؤخذ برؤية العين فقط، تطور الفكرة أو إعادتها في العمل الفني تختلف غاياتها بما يزودنا من متعة بصرية أو قشعريرة وغثيان وأتحدث هنا عن الانتحال والتشابه، في مثل هذه الحالة لا بدَّ أنْ ينبري صوت الناقد الفني بما يعزز خطاب الاختلاف وتتبع مرجعيات العمل، من المؤسف ألا يقتنع أو يعترف الفنان بصدى مرجعيات الآخرين، هذا من العيوب الأخلاقية وإذا ما اغترف من منابع المعرفة فهو أمام وجهتين إما أنْ يطورها ويحسن من أدائها (ونجد ذلك عند القليل) أو نراه يعيد سياقها البنائي من دون استيعاب ومسؤولية.
في العالم الغربي يضطلع الناقد الفني ليلعب دوراً في كشف تلك التحولات والنقل وتتم مناقشة الآراء المتقاطعة ويؤخذ بتوجيهات الناقد لصالح العمل الفني، لهذا نجح الفن الغربي وتطور أيضاً، بينما بقي بعض الفنانين العراقيين أسيري مشهد متكرر تبدأ حكايته بالمجاملة وتنتهي 
بالنفاق.