سيري رادفورد ترجمة: شيماء ميران
عند كتابتي هذا المقال خلال فترة الإغلاق في سويسرا والمدارس مغلقة، يعد كل يوم بالنسبة لي رحلة متعددة المهام لكني افشل في الجمع بين العمل وتأدية واجباتي كأم، لاني اعيش بتوتر بسبب التفكير بالمستقبل. لكن اعلم بأني من المحظوظين لعدة اسباب فعائلتي بصحة جيدة واطفالي يمكنهم الخروج الى الحديقة، ولست من المعرضين للخطر.
لقد حان الوقت للعودة الى الكتب، ليس لانها منهل الحكمة للانسانية فحسب بل انها افضل من الخيارات الاخرى كالادمان والمشاحنات. ذكرت سابقا تاثير القراءة المريحة، والان هو الوقت الفعلي لتهدئة اعصابنا المضغوطة بقراءة الكوميديا اللطيفة للروائية جاين اوستن او الكاتب بيلهام غرينفيل وودهاوس. لكن بينما الاعمال المتفائلة تبعث خيال مطمئن يعادل ادبيا قطعة الكيك، الا انها ستنعشك في اليوم السيء. ووجدت ايضا انه من المنظور الصحي والمفيد مراجعة الكتب التي تطرح الاسئلة عن كيفية تحمل الناس. هناك توازن عقلي يجب تحقيقه بين السماح لإنفسنا الشعور بالحزن لما يجري والادوات التي تبقينا هادئين وايجابيين قدر المستطاع، والكتب تساعد في ذلك كثيرا.
مثلا عند الاحساس طويلا بالشفقة على النفس وللبحث عن هذا المعنى اقرأ مذكرات المحرقة للطبيب النفسي فيكتور فرانكل التي كتبت عام 1946، إذ تروي تجربة المؤلف وحياته في معسكر اعتقال نازي، وكيف طورَّ علاجا منطقيا كطريقة لمعالجة الحزن النفسي بالتركيز على المعنى. انه كتاب مهم للغاية بحد ذاته، لانه تذكير عميق بالوحشية والرعب المنهجي الذي تعرض له ملايين اليهود والضحايا الاخرين بذكريات حية. لكن اقرأه بسياق اليوم، فيجعلك تدرك ان كل يوم تعيشه في الإغلاق هو يوم في الجنة.
وبالرغم ان فرانكل وزملاءه من الضحايا عانوا البؤس المتواصل، إلا انه بالتاكيد مرَّ بلحظات ممتعة، ما يجعلك تدرك سريعا أن حياتك اليومية مليئة بالمتعة ايضا، ولا يجب ان تكتئب بسبب إلغاء رحلتك إلى برشلونة مثلا. قد لا ترضيك الرواية ولكنها إحساس أعمق بالهدف. فالعمل طبيب في مخيم لرعاية المرضى، حتى وان تعرض للمخاطر، إلا انه في النهاية حسب رأيه ساعد فرانكل على البقاء.
التصحيح العقلي الاخر الذي استنتجته من الكتاب هو التوقف عن تحديد متى سينتهي هذا. إذ يكتب فرانكل عن سجين كان يأمل بانتهاء الحرب لكن عندما خاب امله مات بمرض التيفوئيد، وكان السبب الرئيسي لموته هو اليأس الذي اضعف مناعته فأُصيب بالعدوى، ويؤكد فرانكل ان الضحايا كانوا مسؤولين بطريقة ما عن مصيرهم. الفكرة هي انه من الافضل عدم التركيز على الاطر الزمنية الخارجة عن سيطرتنا، وهذا ما جاء في تعبير احد شخصيات رواية (عناقيد الغضب) للكاتب جون ستاينبيك: "عشْ كل يوم كما هو"، ربما تكون هذه النصيحة شائعة لكن من الصعب جدا تطبيقها، لانها تحتاج الى ما يفصلني عن تصور البيانات حول كيفية تطور المنحنى الوبائي في سويسرا.
الإغلاق هو تجربة نفسية
وهنا من المفيد اللجوء للفلسفة التي يمكن ان تملأ الفجوة في الاوقات العصبية للاشخاص الذين ليس لهم ميولا دينية. وبينما تُستخدم الرواقية كأختزال للقمع العاطفي الضيق، الا نها مدرسة قديمة تغذي الهدوء وتخضع لشيء من النهضة بعد الفي عام. الكتب الحديثة والمفيدة مثل (كيف تفكر كالامبراطور الروماني) للكاتب دونالد روبرتسون و(العقبة هي الطريق) للمؤلف ريان هوليداي و(التحدي الرواقي) للكاتب ويليام إيرفين جميعها تعتمد على مواد اصلية مثل (Discourses of Epictetus) لـ إبيكتيتوس و(التأملات) لـ ماركوس أوريليوس. وأحد الخيوط البسيطة والقوية فيها هو الحاجة الى الفصل بين ما يمكنك السيطرة عليه والخارج عن سيطرتك.
هذا القول اسهل من فعله عندما تكون الامور التي لا تسيطر عليها تتسابق عبر المغذيات الاجتماعية، لكنها نصيحة منطقية بشفافية. يمكنك السيطرة على تصرفاتك باتباع قوانين الإغلاق، وفعل ما في وسعك في ظل هذه الظروف، وتكون صديق او جار محترم وتغسل يديك بحماسة، وانسى البقية.
تتم السخرية من المنهج الرواقي بسهولة، فعند القراءة المريحة لـ (بي جي وودهاوس) قد تجد بيرتي وستر يدير عينيه عندما يقتبس جيفيز من ماركوس أوريليوس مستنتجا ان الملك الفيلسوف المحترم هو في الحقيقة "حمار". ومع ذلك كان الحمار ذو شخصية قوية كافية على ما يبدو لمواجهة الطاعون ومحاربة القبائل باتزان اكثر مما يظهره بعضنا.
كان التكنيك الرواقي الاخر ما وصفه إرفاين بـالتصور السلبي، وهو ان تصور حياتك خالية من الاشياء لتقدرها بشكل افضل. ويعد الإغلاق بسبب فيروس كورونا هو تجربة نفسية وبطريقة ما وبمستوى مشابه لكنه ضخم، واننا سنستمتع بما فقدناه اكثر عندما نستأنف الحياة الطبيعية الى حد ما على الاقل.
الجائحة لا معنى لها، فهجوم جسيمات صغيرة غير حية من محيط لآخر يقلب كل شيء بعشوائية وتاثير مرعب، لكن بالنظر الى المعنى في الطريقة التي نتجاوب بها، من خلال الاحتماء مع احبائنا والتفكير بالكيفية التي سنعيش بها عندما ينتهي الامر وإحاطة انفسنا بالنوع الصحيح من الكتب، لربما تجد ان هذا الفوضى يمكن تحملها.
عن صحيفة الاندبندنت