تحت الستار..

آراء 2020/07/15
...

حسين الذكر
 
تساءلت طويلاً عن مشهد غريب، يكون فيه التساؤل طبيعياً لأبسط مواطن عن ردة فعل يكون فيها التساؤل أشفع الإيمان، حينما لفت انتباهي (حمار) يسير وسط شوارع بغداد الحبيبة بل بجزرة وسطية في قلب العاصمة. وقد عصف تيار التساؤل في داخلي – برغم كل الانفلات والفوضى والفساد الذي عم البلاد حد الاختناق – إلا أنَّ عصف السؤال خنقني أكثر فرحت أبحث عن مخارج له:- كيف وصل هذا الحمار المسكين هنا؟ من يا ترى صاحبه وما الذي يفعله هنا؟
أين إجراءت الأجهزة الحكومية.. من بلدية او مرور او شرطة مجتمعية او أي إحساس بالمسؤولية؟
تلفتت كالملسوع يمينا وشمالا لعلي أجد ما يفسر لغز المشهد.. ثم تحركت كالمجنون هنا وهناك لأجد مخرجا لحيرتي او تفسيرا منطقيا – مع وجع الانفلات العام – لعله يخفف حدت دهشتي .. فناداني أحد المشجعين الرياضيين: (أهلا أستاذ.. كابتن لا تدوخ)!!
فطلبت منه توضيحا.. بعد ضحكة مبطنة خشيت أن يكون هو صاحب الحمار ويتهمني بتهديد مصالحه، فقال: (أستاذ ما بك أين تعيش أنت تتعجب من مشهد حمار.. في زمن الاستحمار). لم يكمل جملته بعد حينما مرَّ قطيع غنم يعبث في حدائق وزهور العاصمة والراعي يحمل عصا غليظة جاهزة للانقضاض على أي تحد أو اعتراض ناضج او إحساس بالمسؤولية الوطنية.
مع أنَّ الرصيف يعدُّ هوية ومعلماً من أهم مزايا عصر التحضر العالمي ومن خلاله تنقل الدول رقي شوارعها ومدنها للمتلقي المحلي والزائر الخارجي، إلا أنَّ الرصيف في مدننا أصبح من الماضي، نهباً بل مغنم لمن يجيد التلون واستخدام ما متاح من أساليب القوة الآنية المهيمنة.. في كل يوم تدمع عيني وتعصر ضميري مشاهد سيطرة البعض على الشوارع، لا سيما أركانه المهمة من قبل باعة متجولين يحيلونه الى مزابل صارخة تستغيث أهل العقل والقلب والإيمان 
والوطنيَّة.
منذ مدة يسيطر أحدهم على رصيف مهم وقد حاول كل أصحاب الضمير والحس والإيمان أنْ يجبروه على ترك الرصيف والتحول الى أي نهب من مغانم العراق الجديد التي لا تحتاج للسيطرة عليها إلا لبعض الشعارات والزي والنفاق، وقد استغربنا حينما وجدنا أنَّ ذاك المتسلطن المحوسم للشارع لم يستطع إزاحته إلا أقوى منه.. لكنْ للأسف فإن (المسيطر الجديد) لم يكن بائع زهور أو عطور أو كتب.. بل كان صاحب مواشٍ يذبح ويبيع متنقلاً بعهر المعايير، وماذا يعني بيع الأغنام وذبحها على الشارع العام وفي وضح النهار وفي قلب العاصمة وبلا ضوابط مهنية ولا كوابح إحساسية مسؤولة، والله يكون بعون الشارع والمواطن.