د. كريم شغيدل
هي حقاً تجربة عشت تفاصيلها، بدايتها لا تخلو من قلق، فالقضية تتعلق بالمستقبل، وليس من الحكمة أن تضيع سنة من عمر الطالب العراقي ومسيرته العلمية، فالحظر الذي فرضته إجراءات السلامة الصحية لمنع تفشي الوباء وضعنا في موقف محرج، ومع بدايات الحظر الجزئي كان ثمة متسع للتفكير بحل بديل، الحل موجود ومعمول به من قبل بعض المدارس والجامعات العالمية التي مارست التعليم الإلكتروني منذ زمن، لكن نحن تدريسيين وطلبة لم نفكر يوماً بحاجتنا الماسة لذلك.
برغم الصعوبات وعقبات انقطاع شبكة الإنترنت والتيار الكهربائي، وحاجة التدريسيين والطلبة لمزيد من الوقت للتعامل مع آليات التعليم الإلكتروني واختباراته، إلا أن التجربة تكللت بالنجاح، في وقت قياسي تمكن كل من الطالب والأستاذ أن يتقن التعامل مع منصات التعليم الإلكتروني المختلفة، وأصبحت الكليات والجامعات تعقد اجتماعات مجالسها وتعقد مؤتمراتها وتقيم ورشها العلمية، إلى جانب مواصلة المسيرة العلمية، محاضرات، اختبارات يومية وشهرية، تقارير، تواصل حي وتدريب مستمر، وكانت الامتحانات النهائية للفصل الثاني لطلبة الدراسات العليا التحدي الأكبر، سبقها قلق مشروع وتخوفات وربما كانت هناك رهانات على الفشل، لكن وبمتابعة مباشرة من لدن معالي وزير التعليم العالي الدكتور نبيل كاظم عبد الصاحب وفريقه الوزاري، ومن ثم رؤساء الجامعات وعمداء الكليات ورؤساء الأقسام والمعاونين واللجان الامتحانية، كل من موقعه وباتصال مباشر بين حلقات الإدارة عبر منصة (zoom)، وباتصال مباشر مع الطلبة عبر منصات التعليم، ومع تسلم أول إجابة لأحد طلبتنا الأعزاء، انفرجت أساريرنا وتنفسنا الصعداء كما يقال، وزالت مخاوفنا وانقشعت غمامة القلق، واغرورقت عيوننا فرحاً، وربما هتفنا في أعماقنا: لقد نجحنا...
كان معالي الوزير يحاور بعض الطلبة ويطمئن عليهم مباشرة، ومن جهة أخرى يتواصل مع رؤساء الجامعات، وهم بدورهم يتواصلون مباشرة مع عمداء الكليات الذين هم على اتصال بمعاونيهم ورؤساء الأقسام واللجان الامتحانية داخل الكليات، واللجان في تواصل مع الطلبة وهم آمنون في بيوتهم ويؤدون امتحاناتهم، وقد تضافرت مختلف الجهود الخيرة لتذليل الصعاب ومراعاة الظروف الصحية والنفسية والاقتصادية للطلبة، وظهرت نتائج الامتحانات بأسرع مما كانت عليه سابقاً، وواصلنا مسيرتنا في الامتحانات التكميلية، وكل ما نواجهه من صعوبات وجهود إضافية وما رافق العملية من أخطاء طفيفة أو سلبيات بسيطة، كلها لا تقلل من شأن التجربة وأهميتها ونتائجها
الكبيرة.
التجربة لم تعمم أو ترسخ فكرة التعليم الإلكتروني فحسب، وإنما أسهمت بترسيخ أساليب التعليم الحديث، من خلال الأسئلة الموضوعية التي تساعد على العصف الفكري والاستنباط، واختبارات الكتاب المفتوح، بعيداً عن أسلوب الحفظ الأصم، وطورت إمكانات الملاكات التدريسية استعداداً لتطوير المناهج وأساليب الاختبار وممارسة التعليم المزدوج مستقبلاً، وفتحت آفاقاً جديدة لتشكيل ما يمكن نسميه المجتمعات المعرفية، من خلال تواصلنا الذي فرضته الجائحة مع مجموعات ومنصات تضم باحثين من مختلف أنحاء
العالم.