كان مثمرا وهائلا ذلك اللقاء الذي جمعني بهشام نجل القاص والروائي محمد علوان جبر وكان بمعيته ملفان، الأول فصل طويل من رواية بعنوان (ضياع في جالوس) والثاني مجموعة قصصية متكونة من تسع قصص مختلفة الطول وهي مكتوبة في فترات متقاربة، هذا الإرث السردي هو آخر ماكتبه حبيبنا ابو دنيا قبل رحيله إلى رحمة ربه، كان اللقاء مع هشام في شارع المتنبي وهناك أخذته وذهبنا لزيارة دار سطور وفي دخيلتي أمر ما وقد حدست بأن ثمة شيئا جميلا سيتحقق، كان الأخ بلال مدير الدار في استقبالنا وكان كعادته بشوشا ورائعا ومتفهما ومتعاونا جداً، أخبرته بأمر التركة السردية للراحل الكبير وبأننا في صدد طباعتها بعد قراءتها وتصحيحها، وحين انتهيت من كلامي قال بلال: لي الشرف أن أقوم بطباعتها في دار سطور، حالما سمعت ذلك اقشعر بدني واختنقت بالعبرة وأنا أشكره، ثم قال بلال: لقد اقشعر بدني، قلت سبحان الله إن الأبدان تتشارك في حالة واحدة حين نفي الرجال المبدعين حقهم من الاهتمام ونرد لهم بعض جميلهم وماقدموه للثقافة والأدب العراقي طيلة سنوات من الأسى والقهر والحرمان والتشرد، وكان محمد واحدا من الذين تشردوا في العواصم العربية إثر التزامه السياسي ووفائه لمبادئه وواجبه تجاه بلده، وقد سرد لي الكثير من الوقائع المشوقة للمطاردات الأمنية له وهو في خضم أزماته الاجتماعية والسياسية، فما كان منه إلا أن هرب إلى بيروت حيث قضى فيها وطرا مهما من حياته، ومن هناك كانت نتاجاته الإبداعية محطات للتاريخ والتوثيق لوقائع الجمر العراقية التي عاشها العراق وشعبه المناضل وهو يواجه أعتى دكتاتورية عرفها العالم، ثم بقي في ذهني وضمن خططي مشروعان آخران، الأول هو إصدار مختارات قصصية من معظم نتاجه السردي في القصة القصيرة وفي نيتي أن أفاتح بها الاتحاد العام للأدباء العراقيين وهو خير من يقوم بهذا الدور المشرف، لم أفاتح أحدا بعد في الاتحاد لكنني واثق بشأن الموافقة على طبع هذا الكتاب، والثاني هو طباعة الأعمال السردية الكاملة للراحل الكبير من قصصه ورواياته، وسأفاتح دار الشؤون الثقافية بذلك لأن وزارة الثقافة العراقية معنية جداً بهذا الأمر خصوصا وأن السيد وزير الثقافة الدكتور حسن ناظم هو أخ عزيز وزميل وكاتب وناقد ومترجم له الكثير من الإصدارات
المهمة بين التأليف والترجمة، وأعتقد جازما بأنه لن يرد طلبي إذا تقدمت به إليه وطرحت عليه فكرة طبع الأعمال الكاملة للأدباء العراقيين الراحلين وتشكيل لجنة متخصصة بذلك لتقييم الأعمال الإبداعية وتجهيزها للطبع، وليكن المفتتح هو طبع الأعمال السردية الكاملة لإرث الراحل الحبيب محمد علوان جبر ذلك الرجل الذي شربت روحه من صفاء أرواح القديسين في (ارانجا) أولئك الذين مروا وهم يحملون تاريخ قرون سحيقة فصار تراب مدينته أحمر كدماء أوردته وشرايينه النابضة حبا وجمالا.