علي حمود الحسن
"كل عام والسينما بخير"؛ جملة قالها لي صديق ومضى، فرحت أردد في نفسي سؤالا، طالما شغلني في كل مرة يضاف عام جديد الى عمر السينما العراقية، الذي تجاوز القرن من الزمان بعشر سنين؛ مفاده: هل توجد صناعة سينما في بلادنا حقا؟، وهو سؤال اشكالي تصعب الإجابة عليه، فليس غير أفلام قصيرة تنتج بأساليب بسيطة، اذ يتصدى لها مخرج وفريق عمل متناغم بميزانية لا تكاد تذكر، ولا هدف امامهم سوى المشاركة في المهرجانات المحلية والدولية، وهم يتطلعون الى الحصول على جائزة هنا وتكريم هناك، والحال نفسه مع الأفلام الروائية الطويلة، وإن كانت أعدادها لا تتجاوز أصابع اليد على مدار السنة، والمفارقة إنهم لا يسوقون أفلامهم من أجل الربح، فلا شركات إنتاج تغامر بصناعة أفلام تنافس في السوق المحلية والعربية، ولا مؤسسة السينما قادرة على هذه المهمة، وحينما سنحت فرصة لا يجود الزمان بها مرتين، لإنتاج أفلام بميزانيات معقولة، على هامش اختيار بغداد عاصمة الثقافة العربية لعام 2013 ، اذ تم إنتاج اكثر من 35 فيلما طويلا، معظمها دون المستوى المطلوب، عدا بضعة أفلام، وذهبت أموال الأفلام في جيوب ضباع الفساد، وبذلك خسر صناع السينما فرصتهم في تقديم أفلام معتبرة، وبالتالي تحريك عجلة السينما العراقية ، التي توقفت منذ امد بعيد، والمفارقة ان هذه الأموال الطائلة كان من الممكن ان تعيد تأهيل سينمات بغداد التاريخية، او تقدم فرصا للسينمائيين الشباب، الذين وجدوا أنفسهم خارج "الوليمة".
وعلى الرغم من قتامة المشهد، الا ان صناع السينما الشباب يكافحون لإنتاج أفلام تعبر عن رؤيتهم في وطن لم يجد بوصلته بعد، ونجحوا في ذلك، وشاركوا في مهرجانات عالمية وعربية، وحصدوا جوائز ونالوا شهادات تقدير وتكريمات، كل ذلك بجهد شخصي، اذ نجحوا في إخراج أكثر من 300 فيلم روائي قصير، فيما كانت حصيلة الأفلام الوثائقية القصيرة بحدود 25 فيلما، وبحسب ما كتبه الزميل الناقد والمؤرشف مهدي عباس، فان العراق حصد اكثر من مئة جائزة، تصدرها فيلم "تورن" للمخرج نوزاد شيخاني بـ 13 جائزة، ورائعة محمد الدراجي "الرحلة" الذي حصد عشر جوائز، وخطف فيلم باقر الربيعي "البنفسجة" سبع جوائز.
هذه التداعيات ذكرتني بما قاله الكاتب والناشر قحطان الملاك، عن أبيه رجل الاعمال الشهير حبيب الملاك، الذي استثمر أمواله في استيراد وتسويق الأفلام السينمائية وانتاجها، فضلا عن تأسيس دور عرض سينمائية، او تأجيرها وإعادة تشغيلها، حتى بلغ عدد السينمات التي يملكها ويديرها بحدود الـ(35) سينما، ولم يكتف بذلك انما افتتح سينما في الاهواز وأخرى في طهران وكانتا تدران أرباحا كبيرة، وكان الإيرانيون يدبلجون الأفلام العربية، عدا أغاني فريد الأطرش!