فؤاد العبودي
كل ما كتب بحق الام من كتابات بين الشعر والقصة والمقالات لايعدو ان يكون نقطة في بحر وفائها.
كثيرة هي قصص الايثار ونكران الذات حتى ليتخيل المرء انها ضرب من الخيال والحكايات الاسطورية الا ان من عاش واقع الام وجرب فقدانها وافتراقه عنها يدرك قيمة هذه المخلوقة التي صاغها الله سبحانه وتعالى لتجسد مافيها من المعاني والاحاسيس والشعور بالغبطة عندما ترى اولادها وبناتها يعيشون في راحة بال مطمئنة على مستقبلهم.رحلة كل يوم
من المطبخ تبدأ سيدة البيت رحلتها المكوكية اليومية في اعداد طعام الفطور وتحرص خلال هذه الساعة الصباحية على تناول كل فرد من افراد اسرتها طعام فطوره ، حتى انها في احيان كثيرة تجبر من يمتنع عن تناول فطوره وكأنها بهذا هي المحتاجة لهذا الطعام.
اما البيت ومشاغله وتنظيفه فهي الجديرة اولا واخيرا بجعله واحة من واحات السعادة والامان بنظافته وتكامله ويزهو بما تضفي عليه من اسباب الدعة والاطمئنان ولا تترك صغيرة اوكبيرة الا وتمر عليها سواء بالترتيب او الاعداد الافضل من حيث الديكور ورغم ان بعض البيوتات تجد فيها زوجات الابناء لكن الام تشرف بنفسها على البيت بحيث لا يخلو من تلك الهمسات الناصحة التي لا تخدش مشاعر زوجات الابناء، ان هن امتلكن صفاء السريرة واعترفن ان الام تبقى محلقة بأجنحتها الملائكية على اجواء البيت.
الحكمة والحب
وما بين حكمة الام لتجربتها الحياتية الطويلة الممتزجة بالحب تظل السيدة الام بقيمومتها الاعتبارية حكيما لما تعلمته من خبرة السنين ويخطئ من يظن ان الام ليست جديرة بأسداء النصح لان نصيب العاطفة له مساحة اكبر من مساحة العقل فهو مخطئ تماماً ذلك، ان افرازات التجربة وما تلقته من مدرسة امها وابيها كفيل بوضعها في مكان الحكيم . فهي بنصحها تنطلق من المصلحة العامة للأبناء ومن ثم لصالح سمعة البيت وعائلته.
ان كثيراً من الابناء يحملون الامهات اكثر من طاقتهن بسبب عقوقهم او جحودهم او دلالهم مع هذا تستقبل الام كل هذا برحابة صدر وسعة افق ولا تحمل غيظاً او حقداً، لأنه يكفي ان الابناء تكونوا في صندوق اسرارها ( الرحم) واستطاعت تحملهم لتسعة اشهر كي يروا نور الحياة . من هنا تبذل قصارى جهدها لامتصاص غضبهم وانفعالاتهم فهل يكفي كل ما تقدمه على طريق التضحية والتربية أن نقول لها شكراً مجردة من كل احساس.
التعامل الايجابي
قد لا نخسر حين نقدم لأمهاتنا رحيق الحب والرعاية من خلال تعاملنا الايجابي وترجمة سلوكنا بالاعتراف بفضلهن بعد الله على وجودنا في الحياة حينما نمسح من على جبينهن تعب النهار ورحلة العمل والاقتراب من شعورهن الداخلي وتحسس مايعانينه من مشكلات، اذ ليس صحيحاً اعتقادنا ان الام تتحمل كل شيء فهي ايضا كائن بشري
تتأثر وتحزن لذا فان من الواجب تفقد احوالها وصنع الاشياء الجميلة والمفرحة لها التي تنعش ذاتها وتؤكد شعورها انها انسان له قيمته واعتباره وسط المجموعة الاسرية، فضلا عن كونها اماً.
رسالة وفاء
الام تعد الوعاء الذي يستوعب مشاكساتنا وهمومنا وتشاركنا افراحنا واتراحنا لذلك ينبغي بقاء هذا الوعاء نابضا بالحنان والامتثال لمتطلبات الراحة النفسية التي تجعلها بالفعل تلك التي اوصى بها الرسول الكريم لرعايتها وتكريمها حين ذكرها الله في محكم كتابه العزيز فقد اكد جل جلاله على انها صياغة الهية من اجل قيادة المجتمع الى بر الامان والى ماينمي في الابناء قدرة شق طريقهم نحو امانيهم وتحقيقها وصولاً الى المستقبل الذي يطمحون اليه.