الاحتباس النفسي وكورونا

آراء 2020/07/20
...


عباس الصباغ 
 
راق لي أن أستعير فكرة الاحتباس النفسي المدمّر للطبيعة البشرية من فكرة الاحتباس الحراري المدمّر  للمناخ الذي يعيش فيه الانسان، فكلا الاحتباسين ذوا نتائج مشابهة في التدمير،  وذلك بسبب الحظر التي تفرضه خلية الازمة من أجل حماية المواطنين من جائحة كورونا وتأمين سلامتهم من هذا الوباء.
 صحيا لايخلو هذا الحظر من ايجابيات تعود بالنفع على الصحة العامة إذ يُقلّل من نسبة انتشار الجائحة الى أقلّ حد ممكن ولكي لايفلت الوضع الصحي عن السيطرة ليصل الى حافة الانهيار الصحي الشامل ـ لا سمح الله ـ  ولايلغي الحظر من نسبة انتشار الجائحة  تماما  اذ يبقيه في خطه البياني المعقول دون حصول كوارث صحية كما حدث في بعض بلدان العالم الموبوءة ومنها بعض دول جوار العراق.
ولكن لايخلو الحظر سواء الجزئي منه او الكلي من اسقاطات نفسية لها آثارها السلبية الوخيمة على عموم المجتمع ولها تأثيرها السيكولوجي السلبي على الفرد العراقي  وخاصة الفقراء،  قد يتطور الامر الى حد الاعاقة النفسية المؤقتة ذات الاثر البعيد مستقبلا مثل إصابتهم بالاحتباس النفسي الذي قد يتطوّر الى الشعور بالسوداوية والكآبة المفرطة والعيش في ظل اوهام العدمية الوجودية، وكما يقول سارتر (الآخرون هم الجحيم) فيصير أقرب الناس الى السوداوي المتشائم مجرد أعداء في نظره حتى وان كانوا أقرب الناس اليه، وقد يتطور كل ذلك الى ما لا يحمد عقباه من أفعال غير مسؤولة او منضبطة وربما تخرج عن السيطرة الطبيعية للإنسان كإنسان بوصفه كائنا اجتماعيا عاقلا، وقد تتفاقم حالة الاحتباس النفسي لتصل الى حدود غير مقبولة او معقولة، لاسيما اذا تزامنت معها حالات من الانعزال او العزل القسري او الانكفاء الذي قد يخرج الإنسان من آدميته ليدخل في دائرة التوحش، او اذا صاحبتها متاعب معيشية واقتصادية حادة  جراء فرض الحظر ووصول المرء الى حافة خط الفقر وهي حالة صار يعاني منها الكثير من العراقيين الذين انقطعت ارزاقهم او تعطلت مصالحهم الاقتصادية وماشابه ذلك، وبشكل عام فإن أغلب العراقيين فوجئوا بالآثار الصحية والاقتصادية لهذه الجائحة ومن السلبيات التي رافقت هذا الاحتباس النفسي تفشي حالات الخلافات الأسرية والزوجية بشكل خاص منها والى حدود غير مسيطر عليها من العنف الأسري غير المبرر راح ضحيته الاضعفان النساء والأطفال ممن لاحول ولاقوة لهم وخاصة الاطفال القصّر، وصلت في بعضها الى الطلاق وتشتت الأسرة في أسوأ حالاتها ووصل الأمر الى تجاوز الحدود القصوى من الخلافات وتعكّر المزاج الى أبعد من الخلافات نفسها، كما تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الخبرية مؤخرا لحالات توصف بالمأساوية البالغة تعدّت الى جريمة نكراء مثل احراق ـ وعن عمد ـ لرجل لكل أولاده الصغار وبعمر الزهور بسبب خلاف أسري لا احد يعرف مستواه، وفي حالة ثانية لاتقل مأساوية عنها تمثلت بإغراق سيدة لطفليها الرضيعين وبدم بارد ومن دون توضيح الاسباب او المسببات وراء ذلك، فهذا وغيره يستدعي مشورة جيش من علماء النفس الاجتماعي وخبراء التربية ليدلوا بدلوهم وليعطوا تفسيرا معقولا لما يحصل وأنا أرى أن الضغوطات  النفسية المتتالية والمتراكمة من استمرار فرض حظر التجوال فضلا عن الفوبيا والهلع من الاصابة بالفيروس التي رافقت انتشار الجائحة، اذ لعبت الكثير من  وسائل التواصل الاجتماعي غير المنضبطة في رفع مناسيب الخوف والهلع في النفوس وكانت تنقل إشارات كشفتها الصدفة البحتة للرأي العام مثل هاتين الحادثتين وبالتأكيد ماخفي كان أعظم منهما ولم يكن لها حظ الكشف عنها ودراسة أسبابها والكشف عن خلفياتها ومسبباتها ونتائجها والآثار الوخيمة التي تركتها تستدعي دراسة علماء النفس ليضعوا خارطة طريق لفهم أبعاد تأثير الاحتباس النفسي السلبي على الأسرة والمجتمع وفي حالة استمرار الحاجة الى المزيد من فرض إجراء حظر التجوال بجميع اشكاله وممارساته الوقائية، كما يجب تقنين وسيلة الحظر اذا ما فرضت بكل أشكالها لمعرفة حجم تأثيراتها النفسية / الاقتصادية / الاجتماعية على الفرد كمواطن وعلى الأسرة التي تمثل اللبنة الأساس للمجتمع وأخيرا على المجتمع ككل بكونه الحاضنة الأهلية للدول.