علي شايع
من بين من قابلوا الإمام الحسين (ع) ليثنوه عن موقفه المناهض لسلطة زمانه، عبد الله بن مطيع العدوي. وللرجل حكايته وموقفه المختلف؛ إذ قال، مستشرفاً المستقبل من مصلحة شخصية: ولئن قتلوك لا يهابون أحداً بعدك!. فكان يريد للحال أن يستقر بما هو عليه، رجاءً ببقاء ما تهابه السلطة ولا تخرق قوانينه، متفطناً بخوف المصلحة الضيقة؛ أن ما بعد الواقعة ليس مثل ما قبلها، فالزعامة ستفرض سطوتها وتغيّر مقاساتها السياسية وفق المعطى الواقعي الجديد.
ابن مطيع، معارض للسلطة، ولكنه لم يكن ليدرك أن "الظلم في أي مكان هو تهديد للعدالة بكلّ مكان"، كما قالها لاحقاً (مارتن لوثر كنج). وما كان في فهمه أن المسألة محسومة، وإن صمته عن تلك الرزية سيضاعف له سوء المصير، ليقتله ظالم آخر، وتبقى العبرة.
أمثال عبد الله بن مطيع العدوي مرّوا في كلّ التاريخ، وامتاز عنهم الرجل بسطوع الاسم، لجسامة الحدث المُواكب، ولفداحة تبريره؛ فبعض الحياد اشتراك بجرم. وهنا مربط الكلام، ففي الحالة الحاسمة لا بد من موقف، وعند مفترق الطرق وتشعّب المواقف، سيختبر الإنسان الحقيقي صدقه جلياً. وربما ستتباين آراء الناس فيه؛ بين من يرى أن مصلحته الفردية تبرّر لسكوته عن الظلم، وبين قائل: السكوت عن الظلم ظلم آخر. بل ربما تأمل الأمر عابد ما، لينال الأفضل من عبادة ألف عام، مستبيناً في الظلم: حكماً بجنف، واعتداءً بعسف، وضيماً بتعذيب، وتفرّداً بحيف، وطغياناً بظلامات، وعدواناً لهلاك حق، واغتصاباً بجور، وإساءةً ببغي، وعدواناً بشطط، واضطهاداً بميل عن حق، وتجاسراً بتسلط، وغمطاً (بخمط)، وأظن أن الأخيرة (عراقية) ستضاف لمعجمنا العربي!.
بالأمس، كأنّي أبصرت شبيهاً لـ (بن مطيع) على إحدى الفضائيات، لا يريد لأهل الحق أن يحتجوا بسلم، منظَراً -بمصالح شخصية- للعدالة ما يبيح لها أن تكون انتقائية وانتقامية. وأشدُّ ما يدمي الفؤاد أن يكون المتحدث حقوقياً، ولكن يبدو أن سبل الرشاد الى العدل تقطعت به، فظل ماكثاً عند زمن أرسطو، ليفرض علينا فلسفة للعدل تميّز بين المملوك والمالك، وحامل السيف والفلاح، والفيلسوف والعامل..والى آخر التمييز والتفريق، والمزاجية والكيل بمكيالين، المباحة في وقائع أثينا القديمة، تفريقاً، وتمييزاً بين أصحاب الحق المتطابق. ولم يسمع بمَثلِ أثينا القائل إن "الحق كالنهار لا بد أن يشرق"، ولو بقي وغيره يطبّلون للظلم والظلام.
بن مطيع المعاصر يرضى للحق أن يتجزأ، وللقانون؛ فيفصّل بمقاس جديد، ليميّز مكاناً عن آخر، وشريحة عن أخرى. ويفرّغُ حاصل السلّة القانونية الواحدة، ليعاد ترتيبه حسب مزاج التواصل الاجتماعي؛ (الفيس بوك) تحديداً. فالقانون بحسب ما تريده العدالة الانتقائية للسيد الحقوقي، يميّز أولاد أثينا بالولادة عن أبناء المهجرين عنوة ممن ولدوا خارج (المدينة المقدسة)، وعليه فالعدل هنا ليس قيمة موضوعية مطلقة، بل يجب أن يُمنح أو يُمنع الحق بحسب مزاج (الفيس بوك) حتى يظهر برنامج آخر!. ولا ضير بمنع الأخيار ومنح الأشرار، فيا لعدالتك المتطرفة!. وكأني بمحتجٍ ينادي: يئستُ من اكتِسابِ الخَيرِ لمّا..رأيتُ الخيرَ وُفّرَ للشِّرار.