العمليات العسكريَّة التركيَّة في شمال العراق

آراء 2020/07/21
...

محمد كريم الخاقاني* 

لا تزال تركيا تتدخل بشكلٍ عسكري في العراق، متخطية كل الحدود المسموح بها، متجاوزة كل الأعراف الدبلوماسية، منتهكة السيادة العراقية، وتتذرع بحجج واهية جدا وغير مقنعة لذلك التدخل، من قبيل إنها تمارس دورا دفاعيا لحماية أمنها من هجمات حزب العمال الكردستاني المعارض لسياسات أنقرة منذ عام 1984 عندما أعلن الحزب الحرب رسميا على الحكومة التركية لتحقيق مطالبه في إعلان الدولة الكردية في جنوب شرق الأناضول التي تسكنها أغلبية كردية.

ولم يكن ذلك العمل العسكري هو الأول من نوعه الذي تقوم به القوات العسكرية التركية، إذ سبقته مجموعة خروقات عسكرية تركية، وتبرر انقرة ذلك العمل العسكري الى ما سمته بتعقب عناصر حزب العمال الكردستاني الذين يتواجدون في مناطق جبال قنديل.
تستند أنقرة في تدخلها في شمال العراق الى اتفاقيات سابقة تتيح لقواتها التوغل بالعمق العراقي لمسافة 10 كيلومترات وبعلم وموافقة عراقية، واستمرت على هذا مع تغير المعطيات والظروف التي تسمح بمثل تلك التدخلات، إذ عدتها بغداد مخالفة لكلِّ الاعراف الدولية ومبادئ حسن الجوار التي ترتكز عليها منظمة الأمم المتحدة، ويمثل التدخل العسكري التركي عدوانا على الأراضي العراقية وانتهاكا سافرا لسيادة دولة جارة لها، وهذا ما دفع الحكومة العراقية الى استدعاء السفير التركي في بغداد وتسليمه رسالتي احتجاج شديدتي اللهجة أزاء ما تعرض له العراق من اعتداء وتعرض مواطنوه للخطر وتسببه بخسائر جسيمة في الممتلكات والأرواح.
إنّ هذا السلوك العسكري التركي يثير في هذا الوقت بالذات العديد من الأسئلة والمتعلقة بأهداف أنقرة من العمليات العسكرية الجارية التي تعللها بملاحقة عناصر تنظيم إرهابي مثل ما تصفه انقرة، ويمكن أن نؤشر مجموعة نقاط تتعلق بالعمليات العسكرية التركية:
1 - يتعلق بالسياسة التركية العليا التي تتطلع الى إحداث تغيير في رسم خريطة تركيا الجديدة بعد ضم مناطق تعتقد بأنها أنتزعت منها بعد الحرب العالمية الأولى وسقوط الامبراطورية العثمانية التي كانت تحتل العراق آنذاك، وهي تشير في هذا الصدد الى مسألة الموصل وحسب التصريحات التي أدلى بها كبار مسؤوليها بهذا الشأن، إذ تم التنازل عن الموصل ووضعها تحت الانتداب البريطاني بموجب اتفاقية 1926.
2 - محاربة أنقرة لتنظيمات حزب العمال الكردستاني المعارض لسياساتها، إذ يتطلع الحزب الى تحقيق حلم الدولة الكردية، وبالخصوص أنه يمتلك قاعدة جماهيرية كبيرة في مناطق جنوب شرق الاناضول، وهذا ما تخشاه تركيا من انعكاسات تجربة إقليم كردستان ومنذ حرب الخليج الثانية عام 1991 على واقع الاكراد في تلك المنطقة التي يشكل الساكنون فيها أغلبية كردية واضحة. 
3 - تستند أنقرة في تدخلها العسكري في شمال العراق الى اتفاقيات سابقة مع الحكومات العراقية، وهو ما تنفيه بشكل قاطع وأنها لم تعط الإذن لشن هجمات عسكرية داخل الاراضي العراقية. 
4 - إن العراق يتطلع الى حل مسألة التواجد العسكري التركي بالطرق السياسية والدبلوماسية، وعلى وفق مبادئ احترام السيادة الكاملة وحقوق الجار، وليس عن طريق التدخلات العسكرية وانتهاك سيادة بلد جار. 
5 -  لم توقف أنقرة تدخلاتها وحملاتها العسكرية المستمرة في الأراضي العراقية على الرغم من تنديد واستنكار بغداد للعمليات العسكرية التي تعدها بمثابة عدوانا على أمنها القومي واعتداء على سيادتها، إذ ترفض بغداد اللجوء المتكرر من قبل أنقرة الى الحل العسكري في حل المسألة الكردية وإمكانية التوصل لحلول مرضية بهذا الخصوص. 
6 - قوبل التدخل العسكري التركي بشجب إقليمي وبالخصوص من جامعة الدول العربية ومن أعلى شخصية فيها، إذ أدانت الجامعة العربية وفي بيان رسمي لها التدخل التركي ودعت أنقرة الى سحب قواتها من الأراضي العراقية، فالتدخل العسكري التركي في الاراضي العراقية يهدد أمن وسلامة الدول العربية ويزعزع استقرارها، وهذا ما يؤكد وجود إجماع عربي لإدانة مثل تلك التدخلات العسكرية التركية في شمال العراق. 
7 - دعوة الحكومة العراقية أنقرة الى سحب قواتها من دون شروط من الأراضي العراقية، وسحب قواتها الى خارج حدودها واحترام سيادتها بموجب قوانين الأمم المتحدة التي تؤكد احترام السيادة بين الدول، وهذا ما تمثل بخطوة وزارة الخارجية العراقية في استدعاء السفير التركي في بغداد فاتح يلديز مرتين على التوالي بعد عمليتي المخلب النسر والمخلب النمر وتسليمه رسالتي احتجاج شديدتي اللهجة، رافضة لمثل تلك التدخلات العسكرية ومطالبة في الوقت نفسه بانسحاب جميع القوات التركية، والكفّ عن مثل هذه الأفعال الاستفزازية، موضحة احتفاظ العراق بحُقُوقه المشروعة في اتخاذ الإجراءات كافة التي تكفل حماية سيادته وسلامة اراضيه. 
8 - يجب حل مسألة التدخلات العسكرية التركية المتكررة بين حكومتي البلدين وبأعلى المستويات، وذلك عبر إقرار اتفاقيات جديدة تأخذ بنظر الاعتبار الظروف في المنطقة، وبما يحفظ حقوق العراق واحترام سيادته والحفاظ على أمنه ومناطقه الحدودية. 
* أكاديمي وباحث 
في الشأن السياسي