ما هي مناعة القطيع؟
ثقافة
2020/07/22
+A
-A
أنطونيو ريغالادو ترجمة: جمال جمعة
هنالك ثلاث طرق أساسية لإيقاف مرض كوفيد 19 إلى الأبد. الأولى تتضمن قيودًا استثنائية على حرية الحركة والتجمع، فضلاً عن إجراء اختبارات شرسة لإيقاف انتقاله كليّاً. قد يكون هذا مستحيلاً الآن لأن الفيروس موجود في أكثر من 100 دولة.
والثانية هي لقاح يمكن أن يحمي الجميع، لكنه لا يزال بحاجة إلى تطوير. الطريقة الثالثة من المحتمل أن تكون فعالة ولكنها مروعة إذا أخذت بعين الاعتبار: ننتظر فقط إلى أن يصاب به عدد كافٍ من الأشخاص!.
إذا استمر الفيروس في الانتشار، فسيصاب في نهاية المطاف العديد من الأشخاص بالعدوى، (وإذا نجوا) فسيصبحون محصّنين حتى أن الانتشار سيتوقف من تلقاء ذاته، إذ ستجد الجراثيم صعوبة أكبر وأكبر في العثور على مضيف قابل للإصابة. هذه الظاهرة تعرف علميّاً باسم: مناعة القطيع.
إن الانتشار الواسع الذي لا يمكن إيقافه للفيروس التاجي هو بالضبط النتيجة التي يصممها الخبراء في أسوأ حالات سيناريواتهم. يقال إنه بالنظر إلى ما يعرفونه عن الفيروس، فيمكن أن ينتهي به الأمر إلى إصابة نحو 60٪ من سكان العالم، حتى في غضون هذه السنة. هذه الأرقام ليست تخمينًا عشوائيًا. فقد تم إعلامهم بالنقطة الزمنية التي يقول علماء الأوبئة إن مناعة القطيع ستقوم فيها بردّ الضربة على هذا الفيروس الاستثنائي. قبل أسبوعين، تفجّرت فكرة (مناعة القطيع) في عناوين الصحف الرئيسة بعد أن أشار رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى أن الستراتيجية الرسمية للبلاد قد تبدي شفة علوية قاسية (كناية عن التصميم وعدم الانفعال عند الشدائد) وتترك المرض يسير في مساره. كبير المستشارين العلميين لحكومة المملكة المتحدة، باتريك فالانس، قال إن البلاد بحاجة إلى "بناء نوع من مناعة القطيع حتى يكون هناك المزيد من الناس محصنين ضد هذا المرض ونقلل من انتقاله". وبالأمس، وجه رئيس الوزراء الهولندي، مارك روته، ملاحظة مماثلة، قائلاً: "يمكننا إبطاء انتشار الفيروس وفي الوقت نفسه بناء مناعة جماعية بطريقة متحكّمة".
لكن المراهنة على حصانة القطيع فوراً ستكون ستراتيجية كارثية، وفقًا لأحدث النماذج. ذلك لأن الكثير من الأشخاص سيمرضون على نحو خطير، والطفرة الفجائية في أعداد المرضى الذين يحتاجون إلى علاج في مستشفى أو رعاية وحدة العناية المركّزة سوف تطغى على المستشفيات. المملكة المتحدة أشارت هذا الأسبوع إلى أنها بدلاً من ذلك ستفعل المزيد لكبح الفيروس، بما فيه حظر التجمعات. إبطاء الفيروس يعني أن الأنظمة الصحية يمكن استبقاؤها وإنقاذ الأرواح، ولكن في النهاية يمكن أن تكون النتيجة هي نفسها. أي أنه حتى إذا تم تراجع الوباء مع مرور الوقت، فقد يتطلب الأمر وجود مناعة القطيع لإنهائه.
وكما أوضح مات هانكوك، وزير الصحة والرعاية الاجتماعية في المملكة المتحدة، بعد الانتقادات لحكومة المملكة المتحدة: "مناعة القطيع ليست هدفنا أو سياستنا. إنها مفهوم علمي".
ولكن ما هي حصانة القطيع بالضبط؟
عندما يكون هناك عدد كافٍ من السكان مقاوم للجراثيم، فسيتوقف انتشارها بشكل طبيعي لأنه ليس هناك عدد كافٍ من الأشخاص القادرين على نقله. ومن ثم، فإن "القطيع" محصّن، على الرغم من أن العديد من الأفراد لا يزالون غير محصنين.
على الرغم من أنه من المروع التفكير في احتمالية إصابة البلايين بالفيروس التاجي، الذي يقدر فيه معدل الوفيات لكل إصابة بنحو 1 ٪ تقريباً (وهذا أمر غير مؤكد أيضًا، ومعدل وفيات الحالات التي يعجّل بنقلها إلى المستشفى أعلى من ذلك)، رأينا دليلاً على نشوء مناعة القطيع في تفشيّات أخرى مؤخراً.
ضع في اعتبارك فيروس زيكا، وهو مرض ينقله البعوض وتسبب في ذعر وبائي في عام 2015 بسبب ارتباطه بتشوهات الولادة. بعد ذلك بعامين، في عام 2017، لم يعد هناك الكثير مما يدعو للقلق. وجدت دراسة برازيلية من خلال فحص عينات الدم أن 63 ٪ من السكان في الساحل الشمالي الشرقي لمدينة سلفادور قد تعرضوا بالفعل لفيروس زيكا. فخمّن الباحثون بأن مناعة القطيع كسرت هذا التفشي.
اللقاحات تخلق مناعة القطيع أيضًا، إما عند إعطائها على نطاق واسع أو في بعض الأحيان عند تناولها ضمن "حلقة" حول حالة جديدة لإصابة نادرة. هذه هي الطريقة التي تم بها القضاء على أمراض مثل الجدري والسبب الذي يجعل شلل الأطفال يقترب من القضاء عليه. هناك العديد من جهود التلقيح جارية لهذا الفيروس التاجي، لكنها قد لا تكون جاهزة قبل أكثر من عام. حتى ذلك الحين، يمكن أن يجد صانعو اللقاحات أنفسهم في سباق خاسر مع الطبيعة لمعرفة أيها يحمي القطيع أولاً. هذا هو تقريباً ما حدث في عام 2017، عندما تخلت شركة Sanofi لصناعة الأدوية بهدوء عن لقاح زيكا الذي كان قيد التطوير بعد جفاف التمويل: ببساطة، لم يعد له الكثير في السوق. الفيروس التاجي جديد، لذلك لا يبدو أن أيّ شخص محصن ضده: وهذا ما يتيح له الانتشار والسبب الذي يجعل له مثل هذه الآثار الخطيرة على بعض الناس. لكي تستحكم مناعة القطيع، ينبغي أن يصبح الناس مقاومين بعد إصابتهم. يحدث هذا مع العديد من الجراثيم: يصبح الأشخاص المصابون بعد الشفاء مقاومين للإصابة بهذا المرض مرة أخرى، لأن جهاز المناعة لديهم مشحون بالأجسام المضادة القادرة على هزيمته. نحو 80.000 شخص تعافى بالفعل من الفيروس التاجي، ومن المحتمل أنهم أصبحوا الآن مقاومين، على الرغم من أن درجة المناعة ما زلت غير معروفة. "سأندهش، لكنني لن أتفاجأ تمامًا، إذا لم يصبح الناس محصنين"، يقول ميرون ليفين، أخصائي الأمراض المعدية في جامعة ماريلاند. بعض الفيروسات، مثل الأنفلونزا، تجد طرقًا لمواصلة التغيير، وهذا هو سبب عدم اكتمال المناعة ضد أمثال هذه الجراثيم الموسمية.
متى نصل إلى الحصانة؟
ترتبط النقطة التي نصل عندها إلى مناعة القطيع رياضياً بنزوع الجراثيم إلى الانتشار، معبرًا عنه بعدد التكاثرR0) ) يقدّر العدد التكاثري للفيروس التاجي ما بين 2 و 2.5، وفق تقدير العلماء، مما يعني أن كل شخص مصاب يمرر الفيروس إلى نحو شخصين آخرين، في غياب الإجراءات لاحتواء العدوى. لتخيّل كيفية عمل مناعة القطيع، فكّر في حالات الفيروس التاجي التي تتضاعف بين مجموعة سكّانية سريعة التعرض للعدوى بهذه الطريقة: 1، 2، 4، 8، 16، وهكذا. لكن إذا كان نصف الناس محصنين، فلن يحدث نصف هذه العدوى على الإطلاق، ومن ثم يتم خفض سرعة الانتشار إلى النصف. بعد ذلك، وفقًا لمركز الإعلام العلمي، يتباطأ تفشّي الوباء على هذا النحو، بدلاً من ذلك، على هذا النحو: 1، 1، 1، 1 ... إلى أن يلفظ الوباء أنفاسه الأخيرة بمجرد أن يكون معدل الإصابات أقل من 1.
معدل انتشار الجراثيم حالياً أعلى من معدل انتشار الأنفلونزا العادية، إلاّ أنه مشابه لمعدلات الإنفلونزا الطارئة الجديدة التي اجتاحت العالم من حين لآخر من قبل. "يشابه ذلك جائحة الإنفلونزا عام 1918، وهذا يعني أن نهاية هذا الوباء ستتطلب مناعة نحو 50 ٪ من السكان، إما عن طريق اللقاح، وهذا ما لا نراه في الأفق حالياً، أو عن طريق عدوى طبيعية"، كما صرّح مارك ليبسيتش، عالم الأوبئة في جامعة هارفارد، أمام جمع من الخبراء في مكالمة فيديو في نهاية هذا الأسبوع. كلما كان الفيروس معديًا، كان الناس بحاجة إلى مناعة أكبر لتحقيق مناعة القطيع. تتطلب الحصبة، وهي واحدة من أكثر الأمراض التي تنتقل بسهولة بمعدل تكاثر يزيد عن 12، وتتطلب مناعة نحو 90 ٪ من الناس لمقاومة الأشخاص غير المحميين للحصول على ميزة خاصة في القطيع. هذا هو السبب في أن التفشيات الجديدة يمكن أن تبدأ عندما تنسحب أعداد صغيرة من الناس من لقاح الحصبة. وبالمثل، إذا انتشر الفيروس التاجي بسهولة أكبر مما يعتقد الخبراء، فسيحتاج المزيد من الناس للإصابة به قبل الوصول إلى مناعة القطيع. بالنسبة لعدد تكاثري بنسبة 3، على سبيل المثال، ينبغي أن يكون 66 ٪ من السكان محصنين قبل أن يبدأ التأثير بالعمل، وفقًا لأبسط النماذج. سواء كانت النسبة 50٪ أو 60٪ أو 80٪، فإن هذه الأرقام تشير إلى إصابة مليارات من البشر وقتل الملايين حول العالم، على الرغم من أنه كلما تباطأ انتشار الوباء، زادت فرصة العلاجات أو اللقاحات الجديدة في المساعدة. توصي أحدث النماذج الوبائية التي تم تطويرها في المملكة المتحدة الآن "بالكبح" العنيف للفيروس. التكتيكات الأساسية التي يتم حثها ستكون عزل المرضى، ومحاولة تقليل الاتصالات الاجتماعية بنسبة 75٪، وإغلاق المدارس. هذه الإجراءات المكلفة اقتصاديًا قد تستمر لشهور عدة. تقول أزرا غني، الخبيرة الرئيسة في علم الأوبئة وفقاً للنماذج الجديدة لتفشي المرض في كلية لندن الإمبراطورية: "إن كبح الانتقال يعني أننا لن نبني مناعة القطيع". لأن مقايضة النجاح تكون في "أن نسير به نحو مستوى منخفض بحيث نضطر لإبقاء تلك (الإجراءات) في مكانها".
عن MIT Technology Review