أ.د.باسم الأعسم
يُفصح عنوان المقال عن ثنائية ضدية صارخة، إذ أن العنف يتقاطع مع الفن، فليس ثمة مشتركات بينهما، بل مفترقات، فالعنف -بأشكاله كافة- يمثل ذروة السلوك البربري المتوحش، الذي تنتجه دوافع وغرائز ذات توجهات إرهابية او إجرامية، في حين أن الفن بأشكاله المتنوعة يمثل قرين الحاجات والنزعات الانسانية السامية، هدفه إسعاد الإنسان وليس اضطهاده، وتنمية مشاعره وذوقه، وليس تحطيمهما، ومن ثم، فهو يمثل السلم والإبداع، والحرية والجمال في حين أن العنف يمثل القبح والتوحش والاضطهاد.
وأخطر ما يكون عليه الفن، أن يصبح أداة عنفية، او وسيلة تدميرية لنشر العنف وتحقيق مآرب قذرة دونما شك، لأنها تستهدف البنية الأخلاقية والثقافية والاجتماعية للإنسان والمجتمع، فينأى الفن -عندئذ- عن مساره التربوي والقيمي، عندما ينحرف عن أهدافه الإنسانية والحضارية، والعكس حينما يكون خير أداة لإشاعة الخير والحق والجمال، والفنان مبتكر المسرات ومرمم الذوات، بفكره النير وعقله الخير، ونفسه الأمارة بالجمال، وليس مسوقا للقباحات. وثمة دوافع كثيرة للعنف كالسلطة والمال والفكر المتطرف، والجنس والهيمنة والحسد والقوة، والتعصب……إلخ. وطالما استخدمت الفنون البصرية كالمسرح والسينما والتلفاز والفنون التشكيلية كأدوات لتجسيد العنف وتمريره، لأغراض شتى، فلقد شهد المسرح الاغريقي أشكالا من العنف بسبب هيمنة الآلهة على البشر، وبغية بسط نفوذها، فإنها لاتتوانى عن ممارسة العنف ضد البشر، كما ورد في بعض النصوص المسرحية الاغريقية مثل (أوديب ملكا) و(انتيجونا) و(الضارعات)، ومافعلته محاكم التفتيش، كما حصل لدى غاليلو في مسرحية (حياة غاليلو) والشيء نفسه في السينما، إذ طالما عُرضت، ولم تزل أفلام العنف والرعب وحتى بعض أفلام الكارتون، فقد احتشدت بسلوكيات وأفعال العنف الموجهة ضد الأطفال.
ويروى أن رجلا سافر الى بريطانيا لعلاج ولده الصغير، الذي دفعته الرغبة للهو في لعبة (الاتاري) وكان صاحب المحل من اليهود الذين عاشوا في العراق، فقال لوالد الطفل: أنظر على طول هذا الشارع توجد فيه مجلات للعب الأطفال موجهة ضد أطفال العراق وبشكل ممنهج والحكاية واقعية وليست من نسج الخيال، فما نشاهده الآن من لعبة (البوبجي) خاصة، نجدها ذات قصص بوليسية عنيفة، تشيع ثقافة العنف لدى الشباب وسواهم. إن بعض الأفلام والمسلسلات العربية والعالمية تمثل انتهاكا صريحا لذوق ووجدان الإنسان وكرامته بوصفها أنموذجا صريحا للعنف الموجه سلفا وخاصة تلك التي تستهدف تسلية المشاهدين او امتاعهم ولكن عبر لقطات او مشاهد جد عنيفة محتشدة بمشاهد إطلاق نار وقتل وترويع، بحيث ترد أحيانا في السبتايتل عبارات ينصحون عبرها بعدم المشاهدة لذوي الأعصاب الضعيفة كالأطفال وسواه .وبسبب تفاقم العنف عبر الوسائل الإعلامية أشيعت بعض الجرائم والأحداث في الواقع الاجتماعي من جراء شيوع ثقافة العنف وعدم توظيف الفن ووسائل الإعلام بما يتوافق وأهدافهما التربوية والترويحية والجمالية، إن عظمة الفن حين يوظف لإدانة العنف والخراب وليس
العكس.
وجل ما نخشاه، أن يتسرّب هذا العنف الى مؤسساتنا الإعلامية والثقافية، بحيث يغدو أمرا طبيعيا ومستساغا من قبل المشاهدين، ولذلك؛ ينبغي تفعيل سلطة الرقابة الفكرية والإعلامية بقصد محاربة ثقافة العنف والتطرف والإرهاب، من لدن لجنة الثقافة النيابية، ولجنة دعم الدراما والمؤسسات الأخرى ذات الصلة في وزارة الثقافة. وبهذا الصدد، نتمنى من السيد وزير الداخلية منع استيراد لعب الأطفال كالرشاشات والمسدسات، لأنها تشيع ثقافة العنف والسلوك العدواني المتطرف لدى أطفالنا، أجيال المستقبل، ودعم القنوات التلفازية لانتاج أفلام ومسلسلات تسهم في بناء شخصية المواطن وتعزيز ارتباطه بتربة وطنه وشعبه.