(يسكنُ قلبي).. النزولُ إلى أعماق البيت القديم

استراحة 2020/07/22
...

رضا المحمداوي

في مسلسل (يسكنُ قلبي) لمخرجهِ: أكرم كامل، يعود المؤلف باسل الشبيب إلى عالمهِ الدرامي الذي قدَّمَهُ في أعمال سابقة مثل (أعماق الأزقة) بأجزائهِ المتعددة: (باب الشيخ) و(المدينة)، إذ يخوض في أعماق تلك البيئة الشعبيَّة، مع الفارق الزمني، إذ تكتوي بنار الزمن الحاضر ومخاطرهِ وتعقيدات الحياة البغداديَّة في المناطق والمحلات الشعبيَّة القديمة مثل مقتربات منطقة (السنك) التجارية و(سيد سلطان علي).
 
أفكار درامية عميقة
وفي (يسكن قلبي) يتبنّى باسل الشبيب توظيف المكان الدرامي على نحوٍ أكثر عمقاً ونضجاً ويحاول أنْ يضخ في أبعادهِ الفيزيائية الخارجية أفكارَهُ الدرامية العميقة، فمن المحلة البغدادية القديمة الى الزقاق، ومن الأخير يدخل الى البيت البغدادي القديم الذي اتَّخذهُ بؤرةً دراميَّة رئيسة للمسلسل 
وأرادَ لهُ أنْ يحملَ الوزرَ الأكبر للمسلسل وقيمتَهُ العليا ودلالتَهُ الدرامية العميقة.
في هذا البيت البغدادي القديم - رغم إرثه الباشوي - يقدَّمُ المؤلف الشخصية الرئيسة بدلالة اسمها ماجدة (شذى سالم) بوصفها رمزاً للمرأة والأُم العراقية المُحِبة للخير، والساعية لتقديم العون والمساعدة وترعى الجميع وتأويهم في بيتها وترعاهم وتحافظ عليهم مهما كلَّفها الأمر من تضحيات وصعوبات، ورغم أنها امرأة مُطلّقة بسبب حادثة ذات بُعد أخلاقي ترك لوثة بثوب سمعتها وشرفها، إلا أنها تحافظ على أمانة البيت المودع لديها وترعى أختها نجيبة (فاطمة الربيعي) وزوجها الأعمى شاكر (عبد الستار البصري) وابنهما رياض (مرتضى حبيب) وتأوي الجريج الهارب (رعد)، قبل أنْ تبدأ بتحويل البيت تحت ضغط العوز والحاجة إلى ما يُشبهُ الفندق الشعبي ليسكن معهم طالب الدكتوراه سعد (يحيى إبراهيم) وغريمه الساعي لقتله أسامة (علاوي حسين)، وكذلك مالك البيت نفسه عامر (محمود أبو العباس) وهوبي المضمد (غانم حميد) والمجنون نديم (مازن محمد مصطفى) وحتى الإرهابي مجيد/ ابو قتادة (ماجد درندش) وزوجته شوق (بيداء رشيد)، وأخيراً تنضم إليهم كل من الفتاة المريضة نازك (آلاء نجم) ومعها إيمان (نجلاء فهمي).
 
الرمز والدلالة
وقد أراد المسلسل لهذا البيت القديم أنْ يكون رمزاً أو دلالة للوطن بأجمعه ومعناه الواسع، وقد وَرَدَ في هذا الصدد أكثر من حوار ومعنى في ثنايا المسلسل من حوارات الشخصيات الساكنة أو التي ارتبطتْ حياتها بوجود ذلك البيت، فضلاً عن معاني ودلالات مجريات الأحداث الدراميَّة نفسها.
وبدلالة وجود المرأة أو الأُم العراقية، ورمزية (البيت) الوطنية، كان يتوجب أنْ يكون عنوان المسلسل نابعاً من هذه القيمة والمعنى، لا أنْ يأتي بعنوان ذي طبيعة رومانسيَّة جميلة (يسكنُ قلبي) لكنَّهُ يفتقد للمعنى والدلالة الدرامية العميقة الساكنة في المتن الحكائي ذي الطبيعة الرمزيَّة.
إنّ هذه الإزاحة الفنية للمكان (البيت) والشخصية المحوريَّة (ماجدة) بابعادهما العامة والانتقال بهما إلى مستوى الرمز والدلالة المُهمِّة والمعنى العميق الراكد تحت البنية الدرامية بسياقها التقليدي، هي مكمن أهمية المسلسل و(ثيمته) وبؤرة معناهُ الحقيقي التي حاول المؤلف إيصالها الى المتلقي.
 
السيناريو وحكاية شرف
ومن ذلك الزمن المتراكم القديم الذي يمتد لثلاثين عاماً يسّتلُ المؤلف حادثة إخلاقية أدتْ الى طلاق (ماجدة) من زوجها إبراهيم (مناضل داود) ذلك الجندي العائد بإجازة من الحرب ليجدَ زوجتَهُ تأوي في -
غيابهِ - رجلاً هارباً اُصيب بطلق ناري.
هذه الحادثة التي شكَّلَتْ (عُقدةً دراميةً) سيحاول المسلسل طوال حلقاته الثلاثين أنْ يكشف عن أسبابها وحقيقتها، لا سيِّما أنَّ هذه العقدة بجنبتها الأخلاقيَّة العميقة قد تَرَكتْ آثارها واضحةً في ضابط الشرطة أنس (باسم الطيب) ابن (ماجدة) وعكَّرَتْ عليه حياتَهُ الشخصية والمهنية والأسرية مع أبيه وزوجة أبيه مديحة (بتول عزيز) وأخيه أمجد (علي نجم الدين)، فضلاً عن علاقتِهِ السيئة مع أُمهِ وهو يبحث عن حقيقة ما جرى قبل ثلاثين سنة.
وكان على المؤلف أنْ يمنح هذه الحادثة الاهتمام والتركيز الدراميين الكافيين للكشف عن مجرياتها وتجسيدها درامياً على الشاشة بأفعالها وشخوصها الفاعلة وهم كل من: شهاب كلبجة (ستارخضير) و(نديم) و(ماجدة) و(إبراهيم)، بوصفهم رباعي الحادثة المُهمِّة التي اعتمدها المسلسل في رسم عقدتِهِ الدراميَّة الرئيسة، لكننا وجدنا أنَّ الحادثة تدور في إطار الحوارات الإخبارية المتداولة بين شخصياتها الأربع.
خاصةً أنَّ هذه الحادثة المهمة ستكشف لنا عن حقيقة شخصية (شهاب كلبجة) بوصفهِ أحد منتسبي الأجهزة القمعية للنظام السابق وهو يطارد الشيوعي القديم (نديم)، وكذلك الكشف عن شخصية (نديم) نفسه التي كانت بحاجة الى بناء وتبيان دراميين خاصين بها من أجل ضمان التعاطف معها والتعريف بمدى الظلم الذي لَحقَ به على يد (شهاب كلبجة) الذي يفترض درامياً أنه كان قد طارد (نديم) وأصابَه بطلق ناري واعتقلَهُ وعذبهُ وتحت قسوة التعذيب أُصيب (نديم) بالجنون وهو يحمل شهادة الماجستير باللغة العربيَّة.
التلاعب بزمن السرد
وقد توافرتْ للمؤلف على مستوى السرد أكثر من فرصة لإعادة تجسيد تلك الواقعة (الإخبارية) والكشف عن شخصياتها، خاصةً بعد إصابة اللص (رعد) ولجوئهِ الى بيت (ماجدة)، تماماً مثلما وقَعَتْ الحادثة القديمة، وكذلك الحال في الحلقات الأخيرة حيث تكررَّتْ فرصة ضياع تجسيد الحادثة في المشاهد التي جمعتْ (ابراهيم) و(شهاب) 
و(أنس).
وعلى مستوى التكنيك اعتمد باسل الشبيب أسلوب أو تقنية التلاعب بزمن السرد الدرامي فكان يقطعُهُ على نحو مفاجئ ثم يعود إليه لوصل ما انقطع منه وهي تقنية أعطتْ بعض الحيوية والتشويق للمسلسل، وفي هذا السياق ثمة مشهد (فلاش باك) خاطف تمَّ تقديمُهُ من وجهة نظر(نديم) وهو يتذكر(شهاب..) وهو يقومُ بتعذيبهِ في المعتقل، كان يمكن لهذا المشهد أنْ يكون مفتاحاً لشخصيتي (نديم) و(شهاب..)، لكنَّ هذا المشهد مرَّ عابراً وخاطفاً من دونَ أنْ يتمَّ دعمهُ بسلسلة أُخرى من المشاهد الاستذكاريَّة.