{عبوديَّة النفط}

آراء 2020/07/22
...

علي حسن الفواز
 

ينبغي التخلص من {عبودية النفط}، عبارة أطلقها السيد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي خلال زيارته الأخيرة للبصرة، تعكس بدلالتها صعوبة مايعانيه المسؤول الأول في الدولة من سطوة الذاكرة التاريخية للنفط، وما يرتبط بها من مشاكل تخصّ إدارة {اقتصاد ريعي} خاضع لحسابات الطلب والعرض، ولأزمات السياسة، والصراعات الدولية والاقليمية، ولطبيعة {الحركة الزلزالية} لأسعار النفط.

علاقة النفط بالسياسة من العلاقات المأزومة دائما، فهي تنتعش بانتعاش الأسعار، وتخبو بهبوطها، وعلى طريقة من يسعى لتحويل هذه العلاقة الى منصة لصناعة الحروب والصراعات، إذ تتضخم المشاكل والأزمات، وترتبك أحوال الدول، وتُصاب بعلّة من يبحث عن حلول طارئة، فضلا عمّا تعانيه كل القطاعات الأخرى – التشغيلية والاستثمارية- إذ تتحوّل مشكلات العلاقة المضطربة بين النفط والسياسة الى أزمات اجتماعية واقتصادية، والى عطالة في تنفيذ برامج التنمية، والبحث عن معالجات ترقيعية، تجرّ وراءها مشكلات صغيرة وكبيرة على مستوى الالتزام بحاجات المجتمع والعاملين في مؤسساته، أو في برامجه، أو على مستوى الإدارة، أو على مستوى مواجهة مظاهر الفساد والترهّل وتشوّه إدارة ملفات الدولة ومؤسساتها.
إنَّ عقدة النفط في الستراتيجيات السياسية تحولت الى عقدة بنيوية، تخصّ مفهوم توصيف الثروة وتراكمها، مثلما تخصّ توصيف الدول بعينها، حتى باتت تسمية {الدولة النفطية} أقرب الى السُبّة او الى الفشل، لأنها تُحدد توصيف هذه الدولة بالثروة، وبأنّ اقتصادها وقوتها رهينان بوجود النفط، وعلى العكس من ذلك نجد أنّ دولا نفطية كبرى من المُعيب أن نطلق عليها دولا نفطية، فالولايات المتحدة وروسيا، وهما أكبر منتجي النفط في العالم لهما توصيفات سياسية واقتصادية وثقافية وعسكرية تخلو من توصيف استعاري للنفط ولتأثيره في التعاطي من السياسة ومع اقتصادياتهما..
 
النفط ليس بطلاً
هيمنة القوة النفطية هو ماجعل منها تملك أهلية التأثير في توجيه اقتصاد هذا البلد أو ذاك، وتوجيهه نحو مسارات يتحول فيها النفط الى بطل استعراضي، إذ يملك كثيرا من الفرجة والأثر النفسي، وتتحول بطولة النفط الى عبودية تفرض سطوتها على
 الآخرين.
التحوّل الذي اكتسبته الثروة النفطية في مواجهة ذاكرة الصحراء، والفقر، أعطى زخما واسعا لصناعة المدينة السياسية، والسوق والثروة، وفي أن يكون قوة سياسية فاعلة، لها مجالها الاقتصادي، ولها خطابها، ودورها في صياغة العلاقات السياسية، لكنّ ذلك ليس نمطيا، ولا حتى بريئا، بل وجد نفسه أمام سياسات الدول الكبرى، وأمام شركات النفط العملاقة، فضلا عن علاقته بطبيعة المشكلات الناشئة، وضعف القدرة في تجاوزها، أو في ايجاد البدائل النظيرة لها، لاسيما مع الاقتصادات التي جعلت من النفط مركزا مؤسساً، تموضعت حول توصيفه الاقتصادي وظائف السياسة والاجتماع والمدينة، وحتى الرياضة والثقافة، وهذا ماجعل النفط جوهر الاقتصاد الريعي المهيمن، إذ لم تستطع مؤسسات دول مابعد النفط أن تتجاوز عقدة التراكم المالي الكبير للنفط، وإيجاد بيئة اقتصادية تتنوع فيها الاقتصادات الاستثمارية من جانب، والاقتصادات الوطنية في مجالات الانتاج الزراعي والتجاري والصناعي وغيرها، والتي ستكون عناصر حماية أزاء أي طارئ قد تتعرّض له أسواق النفط وأسعاره، ولعل ماحدث في الأيام الماضية بعد الهبوط الكبير في أسعار النفط، ولأسباب لها علاقة بالصراعات السياسية، يعكس مدى خطورة الثقة 
بـ { بطولة النفط} والخضوع الى أوهامه وعبوديته وقوته في ايجاد السحر الاجتماعي، وفي معالجة مشكلاتنا المعقدة، أو عبر دوره في صناعة الرخاء الاقتصادي المتواصل، فتدهور الأسعار أو صعودها ليسا بعيدين عن حسابات السوق، والتي تنعكس في تداعياتها على البنية الاقتصادية، وعلى تمكين الحكومة من إبراز مظاهر الإثراء في برامجها وفي علاقتها بيوميات المواطن، لكنها، وهذه قضية متواترة، تُصيب السياسة بنوع من عطل الذاكرة، إذ يُهمَل أيّ مشروع لتوظيف الثروة النفطية في بناء اقتصاد غير نفطي، تتعدد مصادره، على المستوى الاستثماري، أو تأصيل بنى للاقتصاد الانتاجي الذي يستوعب حركة الاقتصاد، وقوى العمالة، ويُبعد البلد عن التعرّض للصدمات النفطية التي كثيرا ما تعاني من مشكلاتها بلدان 
النفط.