{ما لثوس» والواقع المتغيّر

آراء 2020/07/23
...

ريسان الخزعلي
شغلت فكرة التوازن بين ازدياد عدد السكان وزيادة المواد الغذائية تفكير واهتمام الكثير من المفكرين والعلماء منذ قرون عدّة، وكان الاهتمام منصبّاً من أجل تجاوز أية أزمة غذائية قد تواجه المجتمعات وتُطيح بأمنها الغذائي، الشيء الذي يؤدي إلى الفقر والمجاعة، ومن ثم اتساع ظاهرة خط الفقر وما دون خط الفقر.
من أشهر الذين درسوا فكرة التوازن، المُنظّر "مالثوس" (1766 – 1834)، إذ وضع نظرية عُرفت باسمه: النظرية المالثوسية، كما نشر كتاباً بعنوان: مقالات حول السكان، عالج فيه طروحاته النظرية، التي غالباً ما توصف بأنها تشاؤمية، وحتى رجعية. ورغم هذا التوصيف، إلّا أن نظريته أخذت مداها وتأثيرها في الفكر الاجتماعي والسكاني السائدين في القرن التاسع عشر، كما أنها أثّرت على علماء آخرين، إذ يعترف (دارون) بأنَّ بعضاً من أفكاره عن الاختيار الطبيعي والبقاء للأصلح مقتبسة من 
مالثوس.
تنصّ نظرية مالثوس على أنَّ الجنس البشري يتضاعف باستمرار تبعاً لمتوالية هندسية، في حين تكون زيادة المواد الغذائية وفقَ متوالية عددية، وبذلك يكون مالثوس قد اختار الأنموذج الرياضي في تحليلاته هذه. وللتوضيح، فإنَّ المتوالية الهندسية تأخذ الشكل: أ ، 2 أ ، 4 أ ، 8 أ ، 16 أ ... الخ، بينما تأخذ المتوالية العددية شكلاً آخر: أ ، أ+1 ، أ + 2 ، أ + 3 ، أ + 4 ...الخ. وعندما تكون قيمة ( أ ) على سبيل الفرض ( 5 ) فإنَّ المتوالية الهندسية التي تُمثّل زيادة السكان ستكون: 5، 10، 20، 40، 80 ...الخ ، في حين ستكون المتوالية العددية التي تُمثّل زيادة المواد الغذائية : 5، 6، 7، 8، 9... الخ. ومن ملاحظة النتيجة سنجد الفرق الكبير في تحولات الاعداد نحو الزيادة في 
المتواليتين.
واجهت نظرية مالثوس الكثير من المداخلات الاعتراضية في حينه، من بينها: المبالغة في زيادة السكان – إذ أثبت بعض المعارضين أنَّ زيادة السكان وفقَ متوالية هندسية لا يصح ألّا في قارة أميركا الشمالية، شجّعت بعض الدول مثل إنكَلترا على تشريع قانون الفقر والردع الاجتماعي الذي امتاز بالقسوة، تشريع قانون منع الزواج في ألمانيا، عدم وضع ضوابط واضحة لكيفية الوصول إلى نقطة التعادل بين زيادة السكان وزيادة المواد الغذائية سوى إشارات مثل الكوارث الطبيعية والأوبئة المعدية وعدم الزواج وعدم الانغمار في التفسخ الأخلاقي، كيفَ يُخلّص الفقراء أنفسهم من الفقر؟ بعد أن اعتقد مالثوس بأنهم هم وحدهم الذين يستطيعون أن يتخلصوا من الفقر من دون الاعتماد على الهبات 
والصدقات.
ورغم الاعتراضات التي واجهتها النظرية، إلّا أنها أسهمت في حل مشكلة الفقر في انكَلترا بداية الثورة الصناعية، كما أنَّ نقابات العمال وتشريعاتهم الصناعية اعتمدت على طروحاته الفكرية، ويضاف إلى ذلك، الانتباه إلى فكرة تحديد النسل في بعض المجتمعات.
والآن، في العصر الحديث حيث الواقع المتغيّر باستمرار، هل تصح متواليات مالثوس في التطبيق العملي بعد هذا التطوّر التكنولوجي الهائل؟..، 
إنَّ الجواب يقتضي اعتماد الأساليب الإحصائية الدقيقة لكل من: النمو السكاني وكمية الموارد الغذائية. 
وهنا تجدر الإشارة إلى أن تطوّر الدراسات والإحصاءات المستمرة التي حصلت في المجتمعات المتقدمة بعد اتخاذ الإجراءات الفاعلة، 
تشير إلى أنَّ النمو السكاني لا يخضع إلى متوالية هندسية (الصين مثالاً)، وإنما يخضع لزيادات تُقاس بنسبة مئوية، وكذلك زيادة أو نقصان المواد الغذائية يخضعان للقياس بنسبة مئوية أيضاً. لكنَّ فضيلة نظرية مالثوس تكمن في أنها أشارت مبكراً لثنائية زيادة السكان والمواد الغذائية، وتركت المعالجات لتطوّر الوعي 
المجتمعي.