التخطيط: إلغاء الحظر الشامل أدى إلى تقليص تراجع دخول القطاع الخاص

اقتصادية 2020/07/23
...

بغداد/ فرح الخفاف 
 
 
أثبتت دراسة حديثة أطلقتها وزارة التخطيط بالتعاون مع عدة جهات، عدم ارتفاع أسعار المواد الغذائية بحسب النسب التي كانت متوقعة، مع عودة الأنشطة الاقتصادية، في حين أكدت أن إلغاء الحظر الشامل أدى إلى تقليص تراجع دخول العاملين في القطاع الخاص. 
يأتي هذا في وقت أوضح فيه خبير اقتصادي أن نتائج الدراسة وما أثبتته جاء بفضل إجراءات وخطوات الحكومة العاجلة.
وأطلقت وزارة التخطيط دراسة "تقويم أثر جائحة كورونا على الفقر والهشاشة في العراق" التي أُعدت بالتعاون مع خبراء البنك الدولي ومنظمة اليونسيف، وفريق مبادرة أوكسفورد للفقر والتنمية البشرية فضلا عن مستشار من صندوق الأمم المتحدة للسكان ومختصين من وزارة التخطيط.
 
سيناريوهات محتملة
ووصفت الدراسة الآثار المحتملة لفيروس كورونا على رفاه الفرد العراقي في جوانب الدخل المتأتي من ممارسة العمل، ومن المصادر الأخرى، فضلا عن آثارها في الاستهلاك الأسري، وانخفاض أسعار النفط.
وأشارت إلى أنه وبعد مرور أربعة أشهر أظهر مؤشر التضخم (الأرقام القياسية لأسعار المستهلك) أن أسعار المواد الغذائية لم ترتفع إلا بنسبة 6 % فقط، كما أن إلغاء الحظر الشامل في الفترة الأخيرة قلص احتمالات تراجع دخول العاملين في القطاع الخاص؛ ولذلك فإن السيناريو المرتبط بارتفاع بسيط جدا في الأسعار، وممارسة الأنشطة الاقتصادية في القطاع الخاص بدرجة عالية هو السيناريو المحتمل. 
وبموجب هذا السيناريو تلفت الدراسة النظر الى احتمال زيادة عدد الفقراء بـ (2.7) مليون نسمة إضافة للعدد المتوقع قبل أزمة كورونا وتراجع الأداء الاقتصادي البالغ عددهم 6.9 مليون نسمة، مع تراجع سيناريو ارتفاع عدد الفقراء بخمسة ملايين في بداية أزمة كورونا بسبب عدم ارتفاع أسعار المواد الغذائية من جانب، وعودة الأنشطة الاقتصادية الى حدٍّ ما من جانب آخر.
وأكدت وزارة التخطيط حرصها على متابعة دراسة الاحتمالات المختلفة للوضع المعيشي والاقتصادي في البلد في ضوء مستجدات الواقع الصحي والاقتصادي والمالي.
وقد لوحظ أن أكثر من 50 % من الأسر الفقيرة حديثاً (بعد الأزمة) لم تكن قد تعرضت لصدمات سابقاً، أو أنها تعافت منها تماماً. وشخصت الدراسة خصائص الفقراء الجدد، بما يسمح في تسليط الضوء على إمكانية دعم هذه الشرائح بأولويات مناسبة.
 
صياغة سياسات جديدة
وفي جانب آخر من الدراسة، أجرت تحليلاً معمقاً لمظاهر هشاشة السكان أزاء الفقر متعدد الأبعاد في التعليم والصحة وظروف المعيشة، وقد ظهر أن 15 % من السكان يعانون حاليا من حالات حرمان شديد في تلك الابعاد، ويقع العبء الأكبر في ذلك على الأطفال، لاسيما في جانب التعليم. 
وشخصت الدراسة ما تعانيه بعض المحافظات من ضعفٍ في البنى التحتية يترك آثاره السلبية في صعوبة مواجهة التحديات المزدوجة من فقر مادي وهشاشة أزاء مظاهر الفقر متعدد الأبعاد، لاسيما في عدد من المحافظات الجنوبية (المثنى، ميسان، ذي قار) والشمالية (نينوى، كركوك)، وفي ضوء ما أفرزته نتائج الدراسة وتحليلاتها، تضمن الجزء الأخير منها صياغة سياسات تتناسب والحاجة الى استجابة سريعة والى ستراتيجية لاحتواء الفقر والحرمان، ومن تلك السياسات دعم الأسر مادياً من خلال التحويلات الاجتماعية للتغلب على الصدمات للشرائح الأكثر فقراً وهشاشة، وتعزيز وصولهم الى سوق العمل، وتبني سياسات تقوم على الاستثمار في رأس المال البشري والخروج من خانة الفقر. ويقتضي ذلك توسيع نطاق الحماية بزيادة تخصيصاتها، وتنسيق تكامل برامج التحويلات النقدية من مختلف الجهات في إطار شبكة الحماية الاجتماعية وتحرير برامجها من الازدواجية والارتباك.
 
حماية المهن ودعم المشاريع
وأشارت الدراسة في جانب آخر من سياساتها المقترحة الى الحدّ من تبني ستراتيجيات التكيّف السلبية لمواجهة كورونا، فتراجع الوضع المادي للفقراء يقود الى تقليل وجبات الطعام أو تراجع نوعيته، مما قد يضعف من مناعتهم. وفي هذا الصدد أشارت الدراسة الى إمكانية الإفادة من تقديم معونات نقدية مشروطة من البنك 
الدولي. 
وأولت سياسات مقترحة أخرى في الدراسة جانب الاستجابة الاقتصادية والتعافي اهتماماً خاصاً، لاسيما في حماية المهن ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ودعم المشتغلين في القطاع غير المنتظم في ظروف هشة، ما قد يتطلب دعم العاطلين منهم من خلال دعم مالي مؤقت ودعم وتعزيز البرامج التدريبية، إذ يجب أن تنصب الجهود لتفعيل بناء نظام تقاعدي للمشتغلين في القطاع الخاص.
وأكدت الدراسة إتاحة واسعة لرأس المال للقطاع الخاص والحث على تقديم برامج شراكة فعالة بين جهات العرض والطلب، ويتطلب ذلك تشجيع التحول نحو الاقتصاد الرقمي وتحسين برامج الدفع الالكتروني لضمان تسهيل التكامل المالي.
وأوضحت أن ملاحقة التطورات الاقتصادية والاجتماعية في ضوء ما يستجد من ظروف ترتبط بثنائية الأزمة التي يعيشها البلد من ضائقة مالية نتيجة انخفاض أسعار النفط، ومن تفشي وباء كورونا، تقتضي الاستمرار بمقارنة السيناريوهات المحتملة للتقليل من آثار هذه الأزمة على شريحة الفقراء أو السكان المعرضين لمخاطر الوقوع في الفقر، من خلال توفير البيانات والمعلومات وإجراء مسوح نوعية لهذا الغرض.
 
تقليل الآثار السلبيَّة
في غضون ذلك، أكد المختص بالشأن المالي ثامر العزاوي لـ "الصباح"، أن ما جاء في نتائج الدراسة يعود إلى إجراءات وخطوات الحكومة العاجلة.
وقال العزاوي: إن "دولاً توصف بالكبرى في اقتصادياتها، عانت من أزمة كورونا وانعكاساتها، وازدادت نسبة البطالة لديها؛ لذلك فما جاء في هذه الدراسة واقعي، ويعد جيداً، لا سيما أن العراق يعد من البلدان ذات الاقتصاد الأحادي".
وأشار إلى أنَّ "انخفاض النفط الحاد خلال الأشهر الماضية، وفرض الحظر الصحي التام بسبب تفشي فيروس كورونا، أثرا بشكل كبير على الاقتصاد العراقي، إلا أن إجراءات الحكومة، ومنها المحافظة على ضخ الأموال عن طريق صرف الرواتب للموظفين والمتقاعدين وشبكة الحماية وغيرها، أدى الى تقليل الآثار السلبية بشكل مقبول".
وأشاد العزاوي بخطوات الحكومة في تنويع الإيرادات، خاصة السيطرة على المنافذ واستحصال الضرائب وغيرها من الإجراءات، معربا عن تفاؤله بانتهاء الأزمة مع نهاية العام او مطلع العام المقبل، مع استمرار ارتفاع أسعار النفط، ونجاح تطبيق الحكومة لبرنامجها في الجانب الاقتصادي".