عن فلسفة الاغتيال أو كيف تُميتُ الفكرةُ صاحبَها؟

ثقافة 2020/07/26
...

د. محمدحسين الرفاعي
 
[I]
الاغتيال إلغاءٌ. إلغاءٌ على الصعيد الجسدي، وهو تثبيت عند مستوى الفكر. كل اِغتيال، والحال هذي، يفتح التَّساؤل عنه نحو، وفي الطريق إلى ثُنائيَّة [الفيزيك- والميتافيزيك]. ويمكن فهمُ هذه الثُنائِيَّة، في المستوى المجتمعيّ الذي من شأنها، اِنطلاقاً من ثُنائيَّة [الواقع- والفكر]. وعوضاً عن الفصل اوالاِنفصال بين طَرَفَيْ هذه الثُنائِيَّة، لا بُدَّ من أنْ نفهم كل طرف من الطرفين داخل الطرف الآخر، حتَّى نستطيع أن نتساءل عن فعل الإلغاء. وما يترتب عليه.
 
[II]
ماذا يتضمَّنُ وضع الطرف الأول في الطرف الثَّاني من الثُنائِيَّة؟ وبأية معانٍ يمكن أن نفهم ذلك؟ 
إنَّنا لا نموت إلّا بقدر ما نحن نحيا، فإننا لا نحيا إلّا بقدر ما نتوفر على إمكانيَّة أن نموت. في هذا الفناء، والشرط الأصليّ لإمكانه، تحدث الحياة فينا، بقدر ما نقع فيها. وهكذا، لمجرد أن يكون الواقع يتضمَّنُ الفكرَ يُصبح، [بَعْدَ- حينٍ]، الواقعَ الذي كان الفكرُ قد وضع أسساً له. أي الواقع اليوتوبي الذي يأتي من المستقبل، قريباً أو بعيداً لا فرق. 
إنَّ [الفكرَ- في- الواقع] إنَّما هو يوتوبيا الفكر. وهذي الأخيرة تقوم على تحديدات المفهوم، والتساؤل، والتفكير العلميّ- الفلسفي العميق. حينما تكون اليوتوبيا ضرباً من ضروب التحديد لواقع يأتي من المستقبل، نصطدم اصطداماً عنيفاً بالديستوبيا، أي الواقع المجتمعيّ الذي يقع على الضد ممَّا يريده الفكر.
 
[III]
ماذا يتضمَّنُ وضع الطرف الثَّاني في الطرف الأول من الثُنائِيَّة؟ وبأية معانٍ يمكن أن نفهم ذلك؟
في الواقع، تقع الحقيقة بتوسُّط الفكر داخل الواقع حينما يكون الواقع من صناعة الفكر. أي حينما يكون الواقع قد صار الفكرَ مجسَّداً. إنَّنا لا نستطيع أن نحيا إلّا بقدر ما نحن نفكر. في الفكر يتجلَّى الإنسان بوصفه عقلَ الواقع، بخاصَّةٍ حينما يكون الواقع قد أتى إلى مستوى الفكر، وعادَ منه إلى ذاته بوصفه واقعاً مفكَّراً به. 
 
[IV]
وهكذا، لمجرد أن يكون الفكر يتضمَّنُ الواقع يُصبح، [بَعْدَ- حينٍ]، الفكرَ الذي كان الواقعُ قد وضع أسساً له. أي الواقع الآيديولوجي الذي يأتي من [وحدة- الماضي- والحاضر]، قريباً أو بعيداً لا فرق. إنَّ [الواقعَ- في- الفكر] إنَّما هو [آيديولوجيا- الفكر]. 
وهذي الأخيرة تقوم على تحديدات المفهوم، والتساؤل، والتفكير العلميّ- الفلسفي العميق. حينما تكون الآيديولوجيا ضرباً من ضروب التحديد لواقع يأتي من [وحدة- الماضي- والحاضر]، نصطدم اصطداماً عنيفاً باليوتوبيا، أي الواقع المجتمعيّ الذي يقع على الضد ممَّا يريده الواقع المجتمعيّ.
 
[V]
ولكن، على أيَّة مصادر معرفية يقوم هذا الضرب من ضروب الاِصطدام العنيف؟ وكيف يمكن فهم الحدود النظريَّة التي من
شأنه؟ 
يقوم ديالكتيك الفكر والواقع على ديالكتيك الفكرة- والملاحظة. كما تقوم الفكرة على القَبْليِّ  Priori، تقوم الملاحظة على البَعْديِّ Posteriori. وهكذا نكون أمام المصادر المعرفيَّة لهذا الاِصطدام، حينما نتوقف، من أجل التَّساؤل- والتفكير- والفهم، عند المصادر المعرفيَّة الآتية: 
I -  الصراع المعرفيّ حول التُّراث ومعناه ووظيفته المجتمعيَّة. 
II  -  الصراع حول معنى ومضمون الماضي، وحضوره في الحاضر والمستقبل المجتمعيّ. 
III -  الصراع المجتمعيّ حول الاِختلاف والتنوع والتعدُّد المجتمعيّ، وغياب ضابط معيِّن لمضمون الاِختلاف ومنظوره النظريّ- الإجرائي. 
IV -  الصراع الفكري حول مفهوم السلطة، وممارستها، اِنطلاقاً من الدِّين، وكيف حضوره في بِنيَة السياسة. 
 
[VI]
ومن ثم حينما نقول إنَّ فلسفة الاِغتيال تقوم على اِغتيال الفلسفة، فإننا نشير بذلك إلى معنى التعدُّد والتنوع والاِختلاف على صعيد تحديد المضامين النظريَّة- والإجرائية، والمنظورات النظريَّة- والإجرائية التي من شأن المصادر المعرفيَّة التي تُحدد، في كلِّ مرة، معنى الوجود المجتمعيّ، وكيفيَّةِ الاِختلاف فيه. لأنَّه يستحيل أن نتساءل عن هذا الأخير من دون التَّساؤل عن إمكان وجوده.