غيمة عطر

ثقافة 2020/07/26
...

حميد المختار
 

ترك غيمة عطره تنث علينا مطرا دافئا بلل أرواحنا وغادرنا هادئا إلى مستقره الأخير، تاركا أحزانا وأوجاعا وذكريات لاتنسى، إنه القاص والروائي العراقي حميد الربيعي الذي ارتبط بالقلوب رباطا مقدسا قوامه المحبة والسلام والإبداع المغلف بالوجع والرحيل، (بيوم آخر، لاتستتر ولا تكتمل غيمة عطر في متاهة، متاهة ملا قنبر، إلا عند رواسٍ وسواحل، ستظهر في صباح اليوم العاشر ويراها آخرون، حيث يتجمعون،...... السارد)، ها هو يلخص رحلة غيمته بهذه الكلمات المكثفة الدالة من خلال ثريا العناوين كمداخل إلى قصصه في متوالية قصصية تمتلك روح الرواية القصيرة في شكل نصوص ارتبطت في فكرة مركزية واحدة، القصة الأولى (يوم آخر) يكون المعري علامة دالة على عمق سيرورة التاريخ، تاريخ المعرفة والغور في سياحة تقود إلى الآخرة، حميد هنا وفي معظم قصصه تقريباً لم يغادر هذه الفكرة حين يتماس مع النهايات التي تقترب منه في لحظات خيانة الجسد وهو يتهاوى أمام مرض عضال، في قصة (لاتستتر) يفضح المستور المقبل من عمق عفن التاريخ ليفضح الأسرار التي استلها من بطون الكتب من خلفاء بني العباس والمتوكل الذي كان يحب أغنية جده الأكبر الشهيرة (أنت أيها الكلب الأجرب)، وفي قصة (لاتكتمل) يكون فهرست ابن النديم شاهدا على حكايا وأسرار عسس الخليفة الذين احتجزوا (ابن النديم) لوقاحته في خلق شخصيات متمردة، وفي قصة (عطر) وأمام زرقة الأفق والشعور بالخيبة يسعى السارد إلى البحث عن حياة ثانية منذ أن قابل العرافة العجوز صار يهفو إلى لقاء فتاة رائعة الجمال ليتشارك معها في صنع حياة جديدة بعيدا عن الاوجاع بعد أن يشفى من السرطان، ثم في قصة (غيمة) يحضر (ابن عربي) ليعلن أن الحروف ذوات وتتكرر الاماني ذاتها بلقاء فتاة عامرة الصدر قد انتظرها زمنا وركض وراءها تابعا العرافة ذاتها التي تقول (ثمة فتاة ستمنحك حياة جديدة ما ان تلامس نهدها حيث يزول المرض عنك) ص46، وفي قصة (متاهة) يعود إلى البصرة مستذكرا هالات من نور الحياة السابقة هناك، رغم أنه لا يدعي الشرود او زوغان البصر لكنه يعيش مع أسماء لرموز الأدب والثقافة البصرية مثل محمد خضير ولؤي حمزة عباس ومحمود عبد الوهاب، وهو وفاء نادر حين يوظف هذه الأسماء القريبة إلى القلب في نص مرهف وعميق وبلغة 
شاعرية أخاذة، يقول السارد الراحل حميد الربيعي عن هذه المجموعة: السؤال الذي طرحته والذي يمثل الثيمة الرئيسة للمجموعة، هل يموت الشعب اذا ركن إلى السكوت، فقد توالى علينا التاريخ الذي يبعث رائحته النتنة والذي جعل الناس تخمد وتركد، فقد استضفت من التاريخ شخصيات لمعرفة هل ركنوا أو خمدوا؟ والتي انبثقت أكثر في واقعهم... أسئلة تولد أسئلة في متوالية قصصية كثر الحديث عن تجنيسها وهل هي جنس أدبي معترف به؟ ظلت كل هذه الأسئلة 
تترى في الأذهان تلك التي شغلها حميد الربيعي ورحل سريعا.