في كتابه (هل انتهى القرن الامريكي) يرى جوزيف ناي ان الصين هي المهدد الرئيس لنهاية القرن الاميركي، إذ يتوقع بحلول عام 2040م، ستستحوذ الصين على 40 % من الانتاج العالمي، في حين ستنتج الولايات المتحدة الامريكية واليابان معاً 21 % من الانتاج العالمي وتوقع تقرير مجلس الاستخبارات الوطنية الاميركي المعنون (الاتجاهات العالمية لعام 2025م) ان تكون الصين اكبر الدول اقتصاداً على مستوى العالم، فضلاً عن احتلالها لعناصر القوة العسكرية الرائدة.
وباستخدام القوة الناعمة، وتشكيل تحالفات بينها وبين دول العالم، تشير توقعات صندوق النقد الدولي الى ان الصين ستتفوق على الولايات المتحدة الاميركية اقتصادياً عام 2021م، إذ سيتجاوز اقتصاد الصين الناتج المحلي الاجمالي للولايات المتحدة الامريكية وسيبلغ ضعفه عام 2036م، وثلاثة اضعافه عام 2045م.
ان موازين القوى بعد ان انكشفت مواطن الوهن في الجانب الاقتصادي للقوة الاولى في العالم اخذت تتجه لصالح بلدان الشرق، وان افول هذه الموازين في الغرب بات وشيكا، ولم تعد مؤشرات القوة رهنا بالقوة العسكرية الخشنة فحسب، بل باتت القوة الاقتصادية والثقافية والموارد المعرفية البشرية محددات جديدة لتبوء مواقع الصدارة والزعامة والقيادة للعالم.
كل ذلك قيل ويقال لان هناك مبادرة اطلقتها الصين تسمى "مبادرة الحزام والطريق" فما هي ؟
يعد العالم الجغرافي الالماني "فريناند فون ريتشهوفن" أول من استخدم تسمية (طريق الحرير) عام 1877م، لتعبر عن الطريق الذي كانت تمر بها سلعة الحرير الصيني الى شرق وغرب العالم خلال فترة حكم امبراطورية الهان الصينية عام 206 قبل الميلاد الى عام 220 ميلادية. ويقصد بـــ(طريق الحرير) خط المواصلات البرية القديمة الممتد من الصين الى المناطق الغربية في قارتي افريقيا واوروبا وعلى طول هذا الطريق كانت تتم التبادلات الواسعة النطاق للسلع والبضائع والثقافات بين مختلف الاجناس والقوميات.
وينقسم طريق الحرير بصورة عامة الى طريق الحرير البري وطريق الحرير البحري يتوزع الطريق البري الى قسمين شمالي (يمر من الصين عبر شرق اوربا وشبه جزيرة القرم حتى البحر الاسود وبحر مرمرة والبلقان وصولاً الى البندقية)، اما الطريق الجنوبي للحرير فيتجه من (الصين ويمر بتركستان وخراسان عبر بلاد ما بين النهرين وكردستان والاناضول وسوريا الى البحر الابيض المتوسط عبر دمشق ومصر وشمال افريقيا).
اما الطريق البحري فيبدأ من شنغهاي الصينية مروراً بفيتنام وسنغافورة وسيرلانكا وبومباي ومسقط فاليمن.
لقد اعلنت الصين (مبادرة الحزام والطريق) واحياء طريق الحرير القديم من قبل الرئيس الصيني (جين بينغ) خلال زيارته الى جامعة "نزار بابيف" في كازاخستان عام 2013م تحت شعار "حزام واحد طريق واحد" وفي العام 2017م استخدمت بكين، ولأول مرة، مصطلحاً جديداً للاشارة الى المبادرة اي "مبادرة الحزام والطريق" لتثبت انها شريك عالمي في التنمية والنهضة المشتركة ، وانها لاعب اساس في دفع عملية التقدم الصناعي ورفع الطاقات الانتاجية فضلا عن التواصل الثقافي والحضاري وتبادل الخبرات بين الشعوب لتكون المبادرة تجربة انسانية غير مسبوقة وبرنامجا فعليا لتحقيق السلام العالمي وفق مبادئ " المصالح المشتركة ، والمسؤوليات المشتركة، والمصير المشترك" لتتحول الصين من بلد مشارك في العولمة الى بلد صانع لها بناء على خمس اولويات هي " تنسيق السياسات – ربط المرافق – تسهيل التجارة – التكامل المالي – التبادل الثقافي بين الشعوب.
وبغض النظر عمن سيكون ضد المبادرة (مثل الولايات المتحدة الامريكية واليابان) وعمن سيتردد في الاسهام الناشط بها مثل (الهند) نقول باختصار شديد انها مبادرة تنفع ولا تضر .. تعمر ولا تستعمر لصالح الشعوب اولاً قبل الحكام لصالح الكثرة المقهورة قبل القلة القاهرة لصالح التحضر والتمدن لا للتوحش والحروب لصالح التعاون لا التصارع وللشراكة لا للهيمنة والتبعية.
اما الثيران الهائجة نحو الاستئثار والتسلط على الشعوب واستغلالها واذلالها فلو كان لها وعندها العقل لما خافت من مبادرة بيضاء المحتوى بحجة انها حمراء الغطاء.