عبدالهادي مهودر
لا يكاد يمر يوم ليس فيه شائعة واحدة في الأقل تلف وتدور ثم تختفي بعد أن تتجول وتزحف وتأخذ حريتها وحصتها من الجدل الحاد حتى ينبري لها (ابن حلال) فيقطع نزاع القوم ويذبحها على قبلة ، ولم تعد الشائعات حالة استثنائية عابرة، بل هي الأكثر رواجاً وإثارة للنقاش من الخبر الصادق القصير العمر الذي يحتاج إلى بيان ولادة وصور وأدلة على صحته وربما يحتاج مستقبلاً الى استحداث قسم للمحلَفين لضمان دقته وإجازة نشره ، وقد شاعت الأخبار الكاذبة إلى درجةٍ لم يعد ينفع معها التكذيب ولا حتى استحداث وزارة حيادية للنفي والتوضيح تسند لوزير يملأ الفراغ ويعرف معنى الأخبار وماوراء الأخبار ويفهم الخبر الصحفي وشروطه وعناصره وأنواعه وقادر على إعلان موقف وبائي يومي للشائعات أسوة بموقف كورونا ، وإذا كانت للشائعات أنواع في نظريات الدعاية والإعلام والحرب النفسية فقد أضيف لها نوع جديد بخصوصية عراقية ظاهرها إيماني وباطنها من تحته العذاب ، تلك الشائعة المتجددة التي تتعلق بإلغاء الأذان من القناة الممولة من المال العام ، وهذه الشائعة ماهي إلا نوع من الشائعات النائمة والمستيقظة والسريعة الظهور والاختفاء لكنها شائعة "حنينة "راجعة لنا بين وقت وآخر في رحلتي الشتاء والصيف ، ومما يشجع على التصديق بها هو تصنيفها من قبل بعض "علماء التحليل " بأنها من بالونات الاختبار أي التي تطلق لقياس رد الفعل ،في وقت أصبح الكل خبراء في التحليل والإعلام والدعاية والحرب النفسية مثلما باتوا خبراء بلغة الجسد، بلا حسد.
وعن هذه الشائعة الراجعة سألني (على الخاص) صديقي الذي لا يصلي ولا ينتظر الأذان ، هل فعلاً تم إلغاء الأذان !؟ وكنت غير متأكد في حينها ولكني استبعدت ذلك على الفور وسألته وهل فعلاً أصبحتَ من المصلين وتنتظر الأذان من التلفزيون لتتوضأ وتصلي ؟! قال( لا والحمد لله) ، وهل تابعت وشاهدت بعينك حذفه من المنهاج اليومي ؟ ونفى أيضاً والحمدلله ، ولا يلام هذا الصديق على عدم التحقق بنفسه ولجوئه للاستفسار والتأكد ، بل تحسب له كونه تصرّف بشكل استقصائي بسيط، بينما بعض العاملين في قطاع الصحافة الإعلام يقعون في خطأ تصديق وإعادة نشر الشائعات في صفحاتهم الشخصية دون التأكد الذي هو من أساسيات عملهم ومن شروط الخبر بما في ذلك هذه الشائعة التي يعرف الجميع أن لها أبعاداً متشعبة قد تكون استكشافية او تحذيرية او تسقيطية او استباقية او تحريضية تثار كل مرة في الظرف الحساس وبين شعب وأمة مختلفة على كل شيء حتى حول وقت وتفاصيل الأذان وطرق أدائه اختلافاً، بلا رحمة منذ مئات السنين بين حذف واستحداث ومستحب وواجب، خلاف يحيي جدل العودة الى المربع الخلافي الأول الذي كانت مساحته واضلاعه بطول وعرض العراق والأمة الإسلامية.
المهم إن الصديق المذكور بقي يتأمل وينتظر ويراقب ليقتنص لحظة الأذان ليس من أجل أن يصلي ولكن ليرسل لي في اليوم التالي صورة التقطها لشاشة القناة الإخبارية تحمل عبارة (حان الآن موعد أذان المغرب في مدينة بغداد وضواحيها ) وصورة أخرى لشاشة القناة العامة لحظة بث الأذان مصحوبة بعبارة (حي على الصلاة ) ، وقال (ربك ستر طلعت شائعة ) ..والحمد لله.