من يحسم الصراع في العراق؟

الثانية والثالثة 2020/07/27
...


ابراهيم العبادي
 
بينَ استقالة الحكومة السابقة ومجيء الحكومة الحالية، اجتاز العراق أزمة حكم خطيرة وانتعشت آمال محدودة في ان تقوم الحكومة الجديدة بتسيير شؤون البلاد بعقلانية واقتدار يسمحان بتجاوز المنعطف الخطير وصولا الى اجراء الانتخابات المبكرة  .
المتفائلون كانوا يدفعون باتجاه حسم قانون الانتخابات وترسيمه على نحو يخدم الاحزاب الصغيرة والمرشحين في الدوائر المتعددة، بما يؤدي الى اعطاء الناخب فسحة كبيرة لاختيار ممثلين جدد في البرلمان، وتجديد الوجوه قد يساعد في زحزحة تدريجية للوجوه التي مثلت القوى المتقاسمة للسلطة في العراق، كان  اللجوء الى الانتخابات المبكرة خيارا عقلانيا حتمته ازمة اشتعال الاحتجاجات والعنف الذي رافقها، ومثَّل هذا الخيار مخرجا معقولا لادارة الازمة ومتنفسا يساعد على تبلور رؤية قد تعالج المأزق الذي تعاني منه البلاد، بمرور الوقت فَتَرَت الحماسة للانتخابات وأعاقت الخلافات الفنية واللوجستية خروج قانون الانتخابات الجديد الى حيز التنفيذ، وطغت الحسابات بين القوى المتصارعة على السلطة بشأن فوائد ومكاسب القانون الجديد من عدمه، ومالت اكثر الترجيحات الى ان اعتماد الدوائر المتعددة سيخدم قوى سياسية تعرف كيف تنظم جمهورها وتدفعه للمشاركة في التصويت لصالحها، بينما ستجد قوى اخرى نفسها خارج مضمار المنافسة لانها اخفقت في بناء قاعدة اجتماعية ثابتة وجمهور راسخ الرؤية والتأييد لها. وفق هذه الاحتمالات سيتأرجح الموقف من اجراء الانتخابات بين ضعف امكانات الحكومة المالية والتقنية، وبين مخاوف المترددين وتشاؤم الاخرين الذين يرون ان النظام البرلماني في العراق ليس الا (ديكورا سياسيا) فحسب، فمن يصنع المواقف والسياسات ليس الجالسين على مقاعد البرلمان انما هم بضعة زعامات شيعية وسنية وكردية تتفق في كل مرة على ترويكا الحكم، وهؤلاء لا يتجاوزون عشرة اشخاص لكل منهم مصالحه الحزبية ومخاوفه وطموحاته ورؤاه  وخطوطه الحمر وعلاقاته الداخلية والخارجية التي تمثل محددات ايديولوجية وسياسية لسقف حراكه السياسي .
من راهن على الانتخابات المبكرة كان يتصور ان  مجيء ممثلين جدد للشعب خصوصا اذا كانوا مستقلين وذوي وعي وتجربة ورؤية سياسية قد يساعد في اخراج البلاد من (الاحتكار السياسي) الذي تعاني منه، بيد ان ذلك رهين المشاركة الواسعة والكثيفة  للناخبين، ودقة اختيارهم للمرشحين، على افتراض ترشح عدد كبير من الاشخاص مستوعبين لتجربة الـ 17عاما  من عمر العملية السياسية التي انتجها دستور عام 2005، فالرهان اذن على ناخب واعٍ ومتحمس للتغيير، ومرشحين على دراية كافية بمهمتهم الجديدة، وتجربة عميقة لأسباب الاخفاق والفشل، وهي اسباب معروفة ومكشوفة، وذلك كله مشروط بنزاهة الانتخابات ودقة عمليات التنفيذ، ورقابة مشددة على السلوك الانتخابي، والادق من ذلك صرامة كبيرة ازاء الاحزاب والقوى المتنفذة التي تمتلك ادوات الترهيب النفسي والاعلامي والمادي، والقادرة على التعبئة بافتعال أزمات وتخويف الناخب للتصويت لصالحها .
لكن السؤال الجوهري، هل تستطيع (الديمقراطية) العراقية فعلا ان تجترح معجزة تغيير المسار السياسي وتنهي صراع الطوائف والاثنيات والقوميات والتوجهات الايديولوجية والتبعيات السياسية ؟ الجواب يتوقف على (ادراك) كل جماعة سياسية مصالحها ومع من تكون اصطفافاتها، فمشكلة العراق تظل في غياب الرؤية العميقة لأزمة الدولة والدراية الصحيحة لسيكولوجية السكان والمزاج العراقي، والحضور الكثيف للذاكرة السياسية والتاريخية والقابلية الخطيرة للاستتباع والاستلحاق تحت يافطة المشاريع الايديولوجية الكبرى، خسر العراق مئة عام من التنمية الشاملة بسبب تقلبات النظام السياسي ورعونة الساسة وهو اليوم ينتظر إرادة شعبية وسياسية، استخلصت الدروس التاريخية والسياسية لتستشرف المستقبل بغير حمولات الماضي البعيد  والقريب والحاضر الكئيب، ارادة تنهي الصراعات الداخلية على السلطة بتأسيس منظومة الحكم بغير ما تأسست عليه حتى الان