البرجوازيَّة والطبقات

آراء 2020/07/28
...

      ريسان الخزعلي
 
في تناولات الفكر الاشتراكي، يكثر الكلام الشفاهي أو المدوّن عن البرجوازية والطبقات في المجتمع، والبرجوازية كاصطلاح كما جاء في معجم علم الاجتماع تعود جذوره إلى اللغة اللاتينيّة منذُ القرون الوسطى، وقد استعملهُ الفرنسيون مبكراً لوصف الطبقة المتوسطة التي تملك أو تستحوذ على الأراضي الزراعية لصالحها الخاص، والمعروف عن الطبقة المتوسطة الفرنسية أنها تختلف كثيراً عن طبقات الفلاحين والنبلاء سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
وكثيراً ما كان كارل ماركس يُجاور اصطلاح البرجوازية باصطلاح آخر ألا وهو (البروليتارية) في كتاباته وتنظيراته الفلسفية والفكرية، موضّحاً ومُشيراً إلى طبيعة العداء المتزايد بين طبقتي:  البرجوازية والبروليتارية، متيقناً بأن مثل هذا العداء سيؤدي إلى سقوط الطبقة البرجوازية وانتصار الطبقة البروليتارية التي ستنجح بإقامة العدالة في المجتمع وتنتهي سطوة الطبقات الأخرى أو تُلغى كليّاً.
إنَّ مفهوم ماركس هذا الذي يُشير إلى سيادة دكتاتورية الطبقة البروليتارية، لايعني محو الطبقات من وجودها الحياتي والاجتماعي ودورها في التنمية البشرية، وإنما جاء التعديل اللاحق: من كلِّ حسبٍ طاقته، ولكلِ حسب حاجته. كما جاء التعديل أيضاً، بأنَّ المثقفين هم شغيلة الفكر. وما دكتاتورية البروليتاريا إلا نتيجة لارتباط هذه الطبقة أكثر من غيرها بالانتاج ووسائل الانتاج.
في الوقت الذي أثّرت فيه أفكار ماركس على الكثير من العلماء والمفكرين الذين جاؤوا من بعده، إلا أنَّ آخرين اختلفوا وتقاطعوا معه في مفهوم البرجوازية ودورها، لكنَّ المشترك العام بينهم وماركس هو أنَّ البرجوازية تعني الطبقة الوسطى وكل طبقة لا تحمل صفات البروليتاريا. ومع ذلك كان تأثير ماركس واضحاً في توصيف الأحزاب السياسية اللا اشتراكية بأنها برجوازية، وكذلك المجتمع الرأسمالي بأنه مجتمع برجوازي.
في بعض المجتمعات التي عانت من الحروب والتخلف والتسلط الدكتاتوري والشمولية السياسية، وتدهور الصناعة أو انعدامها، وقلّة فرص العمل، فقد غابت الطبقة الوسطى، وانقسم المجتمع إلى طبقتين: الأغنياء والفقراء، وسادَ الأغنياء وامتلكوا رأس المال وتحكموا بالطبقة الفقيرة (وهنا يكمن جدوى ماركس). أمّا في المجتمعات الصناعية المتطوّرة، ورغم سطوة الرأسمالية، فإنَّ الطبقة الوسطى تمتلك حضورها وفاعليتها باشتراطات رأسمالية، أما العمال فهم الأضعف اقتصادياً تحت وطأة أصحاب رأس المال ومالكي وسائل الانتاج على العكس من المجتمعات الاشتراكية الضامنة لحقوقهم ومستقبلهم وتنميتهم، إذ الملكيّة العامة فيها لوسائل الانتاج.
إنَّ ما يُثيره مناصرو البرجوازية وتمثّلاتها الرأسمالية، من  أنَّ دور الطبقة العاملة قد تلاشى بفعل تطوّر وسائل الانتاج تكنولوجياً وظهور السيطرة الالكترونية، ومن ثم سيقل عدد العمال في مواقع الانتاج، وستنتفي الحاجة لطروحات ماركس، فإنَّ هكذا تخريجات سيواجهها الواقع بالرد المناسب من أنَّ الطبقة العاملة هي الأخرى تتطور علمياً وثقافياً وبإمكانها التعامل مع التطورات التكنولوجية، كما أنَّ الكثير من الحرف ورغم التطوّر العلمي مازالت بحاجة إلى الأيدي العاملة مباشرة ...