نوزاد حسن
أظن أنَّ هذه السنة هي سنة كورونا بكل معنى الكلمة، واذا كان الأمر كذلك فهل سيفلت عيد الأضحى من قبضة هذه الجائحة، من دون أدنى شك لن يفلت؛ لأن اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية قررت فرض حظر شامل للتجوال خلال أيام العيد، وأول المتذمرين كان ولدي الصغير الذي التزم طيلة الأشهر الماضية بالحظر، وظن أن العيد سيكون عيدا مميزا كباقي الأعياد قبل كورونا.
هل يتخيل أحد عيدا بلا صخب الأطفال ومرحهم وانطلاقهم في أماكن اللهو والحدائق والشوارع، وهم يرتدون ملابسهم الجميلة.
في الذاكرة ستظل اللحظات الأولى من صباح أول يوم للعيد وكأنه بداية للخليقة، النهوض باكرا، وإحضار ملابس العيد، ولبسها. الأم هي من تقوم بهذه العملية من الألف الى الياء، شراء الملابس التي في أكثر الأحوال لا يأخذون رأينا بشرائها، ووضعها في دولاب قديم، ثم الباسنا إياها صباحا لننطلق في رحلة جني العيديّة من الأقارب والجيران.
بعد ذلك ينفتح عالم الطفل بألعاب بريئة وتقليدية توجد في حدود المنطقة، في الواقع لا شيء له ميزة في جميع الألعاب التي كنا نجربها كل سنة، وبعد أن تمر الدقائق كنت أحزن لفقدانها، وكنت أحسب مثل تاجر بلا ضمير ما تبقى من العيد، ومع انتهاء الوقت أفكر بعيد السنة المقبلة.
في الواقع كان العالم كذلك، فالصغار يفلتون دائما من حدود مشاكل العالم والسياسة، وأنا في حقيقة الأمر اضطررت للكلام عن لقطات من عيد أيام زمان كما يُقال؛ لأن عيد الأطفال هذه الأيام ليس عيدا حرا بل هو عيد مقيّد يشبه الى حدٍّ بعيدٍ عيد المتنبي.
نعم هذا العيد المحاصر بجائحة كورونا، برحيل الأحبة والأصدقاء، وتعطل الحياة، والخوف من كل شيء هو العيد نفسه الذي شكا فيه المتنبي من فقدانه لأحبته وابتعاده عنهم، وتمنيه كما قال في قصيدته أن يكون بينه وبين كافور الأخشيدي صحارى وصحارى.
واحدة من متعي الشخصية هي مراقبتي للصغار وهم يركضون بلا أي منغص، طبعا أنا أتحدث الآن عن الأعياد السابقة، ما يثير فضولي هو رغبتي في الإحساس بذلك الفرح الذي يشغلهم وينشغلون به، وحتى في الأيام العادية أتابع الأطفال في أي مكان أراهم فيه لأعثر في غمرة نشاطهم عن فرحهم الذي فقدناه بعد أن كبرنا، وتجهزنا للحياة بعدة جديدة، وقلب مليء بمشاكل السياسة وألاعيبها التي لا تنتهي.
جميعنا اليوم نعيش العيد كما عاشه المتنبي، أقصد الكبار بكل تأكيد، أما الصغار فهم يريدون أن ينطلقوا في حدود المسموح به لهم، فهناك فيروس يريد سرقة لحظاتهم الجميلة، ووقتهم البريء الطفولي.
أتساءل كم كان عيد المتنبي حزينا وهو يقطع صحراء ساخنة ربما لا تقل سخونتها عما نعاني منه هذه الأيام، رجل فقد أحبته بحيث أن كؤوس الخمر صارت تسقيه الهم والتسهيد، كما قال في قصيدته عن عيده الحزين. لأقل هو العيد ذاته يتكرر بعد أشهر من مواجهة هذه الجائحة التي ما تزال تفتك بالعالم، وتخطف آلافا من البشر، وفي ظل مثل هذه الأوضاع سنكون أمام فرح الصغار وهم يلعبون وسأراقبهم بفضولي المعتاد.