حين نستعرض ما توجهت اليه العلاقات الاقتصادية الروسية السعودية في الماضي القريب نجد هناك تلازماً في المصالح، ونعود الى شكّل اللقاء الذي عُقد على هامش قمة «مجموعة العشرين الكبار» في مدينة هانغتشو الصينية بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي محمد بن سلمان بتاريخ الخامس من ايلول 2016 نقطة التحول في تحقيق تطور نوعي في علاقات التعاون الاقتصادي ومجال صناعة الطاقة في روسيا الاتحادية والمملكة العربية السعودية وذلك حين اتفق الطرفان على اصدار بيان مهم حول استقرار سوق النفط التي شهدت تدهورا كبيرا حتى ان الخبراء وصفوا هذا البيان المشترك بانه «نقطة البداية» للعمل المشترك والتعاون بين اكبر منتجين للذهب الاسود.
ومن نافلة القول ان العراق الذي يتميز بوفرة مصادر الطاقة والامكانيات الاخرى يمتلك فرصة لا يمكن تفويتها لاستثمار العلاقات السياسية المتطورة مع روسيا الاتحادية التي تسعى شركاتها جاهدة الى دخول السوق العراقية في مجالات الصناعة النفطية وانتاج الطاقة الكهربائية، حيث نأمل ان يتم استثمار هذه الفرص في تعزيز الشراكة بين البلدين حيث تتمتع وريثة الاتحاد السوفيتي بامكانيات كبيرة في مجال الصناعات الخفيفة والثقيلة والتقانات التي تسهم في تنمية وتطوير القطاع الزراعي تماشياً مع سياسة الحكومة الحالية بدعم هذين القطاعين المهمين للاقتصاد العراقي.
وبالعودة الى واقع العلاقات الروسية السعودية نجد انعكاس التطور الايجابي والذي حمل فوائد كبيرة لمنتجي النفط في العالم على العلاقات الاقتصادية والتجارية بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي التي تعد مصدراً مهماً للطاقة في العالم، اضافة الى كونها مركزاً مالياً كبيراً وسوقاً متميزة للبضائع والخدمات الروسية وهذا ما يمثل نقطة اهتمام لدى روسيا الاتحادية، حيث بلغ مستوى التبادل التجاري بين الطرفين في عام 2018 ثلاثة مليارات ونصف المليار دولار توزعت بين مجالات المنتجات الزراعية والحبوب والنفط ومشتقاته ومياه الشرب المعدنية.
وتشكل السوق الروسية الواعدة عامل جذب كبيراً للاستثمارات من دول مجلس التعاون الخليجي، حيث بلغت استثمارات دول الخليج في الاقتصاد الروسي عام 2019 ما يقارب 25مليار دولار تضم مشاريع مشتركة من خلال «الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة» وتتوزع هذه الاستثمارات بين مشاريع مختلفة منها تأهيل مطارات، وبناء طرق ومساكن، وتجارة المواد الغذائية واستثمارات كبيرة في قطاع الطاقة الروسي.
وقد تعززت العلاقات الثنائية بين الطرفين خلال الزيارات الدورية التي يقوم بها قادة دول الخليج الى العاصمة الروسية موسكو وكذلك الزيارة التاريخية التي قام بها الملك سلمان بن عبد العزيز الى موسكو عام 2017 حيث شهدت الزيارة التوقيع على خمس مذكرات تفاهم بين العملاق النفطي «ارامكو السعودية» وكبرى شركات الطاقة الروسية، بالاضافة الى سبع اتفاقيات بين شركات خاصة ومنح تراخيص لثلاث شركات روسية للعمل في السعودية بموجب اتفاقية مبدئية بين شركة «ارامكو السعودية» وشركة «سيبور» (شركة بتروكيمياويات روسية) حيث من المخطط بناء مصنع للبتروكيمياويات في المملكة العربية السعودية بقيمة مليار دولار.
وتمثل الاجتماعات الدورية السنوية التي تعقد بين رجال الاعمال الروس والخليجيين ضمن مجالس الاعمال التي ترتبط بغرف التجارة والصناعة في البلدين والاجتماعات المنتظمة للجان الحكومية المشتركة للتعاون التجاري - الاقتصادي والعلمي - التقني فرصة حقيقية للتعاون بين روسيا الاتحادية ودول مجلس التعاون حيث توقع بنتائج هذه الاجتماعات بروتوكولات واجبة التنفيذ من قبل المؤسسات المشاركة وبالتالي تتحقق مشاريع جيدة وبناءة.
وفي مجال تكرير وتجارة النفط ومشتقاته فان منطقة الخليج تمثل فرصة اخرى لروسيا لتعظيم ميزانها التجاري فكميات النفط الكبيرة التي تستخرجها الشركات الروسية من جنوب العراق مثلا تذهب كمية كبيرة منها الى المصافي المتطورة في دول الخليج للتكرير لبيعها الى تلك الدول او الى دول اخرى مثل ما تفعل شركة «لوك اويل» الروسية التي تستخرج النفط من حقول في محافظة البصرة.
اما في المجال الجيوسياسي فان روسيا اصبحت اكثر اهتماماً من ذي قبل بقضايا الشرق الاوسط في السنوات الاخيرة، وبالنسبة لمنطقة الخليج العربي فان لروسيا اهتماماتها الخاصة فقد سبق وان طرحت الخارجية الروسية مبادرتها بعنوان «مفهوم الامن الجماعي لمنطقة الخليج» اذ ترى روسيا نفسها من منطلق انها دولة كبرى معنية كغيرها من الدول الكبرى بامن هذه المنطقة الحيوية من العالم.