محمد شريف أبو ميسم
لا يمكن لآلية السوق أن تنتظم ما لم تنتظم علاقات عناصر السوق على أساس قانوني متكامل، وجهاز تنفيذي قوي، وبيئة عمل آمنة تحمي المنتج المحلي والعاملين والمستهلكين، وتنظم المنافسة، وتحد من الاحتكار ومن تدفق السلع الأجنبية دون ضوابط.
وعلى هذا، فان دور الدولة في حماية وتنظيم عمل المنافذ التي تتدفق من خلالها السلع الأجنبية، لا يقتصر على حماية المال العام وضمان تطبيق التعرفة الجمركية بهدف تعظيم الايرادات غير النفطية وحسب، بل يعد جزءاً من مجموعة وظائف ذات صلة بهذا التنظيم، في ما يبقى ملف هذه المنافذ موحداً ولا يمكن تجزئته، شأنه شأن مسار مياه السقي في الزراعة البدائية، اذ سرعان ما تتدفق المياه نحو منفذ آخر بمجرد ايقاف تسربها عند مرز هش.
ولأن العراق في موقع جغرافي مهم جداً، يربط بين الشرق والغرب، وقريب من ملتقى ثلاث قارات، ومحاط بسبع دول تشترك معه في العديد من المنافذ البرية، التي تبلغ ستة عشر منفذاً، فضلاً عن خمسة منافذ بحرية وخمسة أخرى جوية، فان سيطرة الحكومة المركزية على منفذ ابراهيم الخليل مثلاً والذي يقدر حجم التبادل التجاري من خلاله بنحو سبعة مليارات دولار سنوياً مع الجارة تركيا، لا يمكن أن يكتب لها النجاح ما لم تتم السيطرة المطلقة على المنافذ البحرية في البصرة، ومنافذ زرباطية والشلامجة والمنذرية والشيب وحاج عمران وباشماغ وبرويزخان وكرمك مع ايران، وسيملكا وربيعة والوليد مع سوريا، وطريبيل مع الأردن، وعرعر وجديد عرعر مع السعودية. لأن عملية تدفق السلع لا تجري في مسار وبشكل منتظم ما لم تكون دعائم تلك المنافذ من خامة واحدة، تتشكل بموجبها اجراءات تقديم شهادات فحص البضائع في دول المنشأ بسياق واحد وبمعايير ثابتة بعيداً عن الحكومات المحلية، من قبيل ختم الشركة الفاحصة في البلد المصنع، ووجود ممثل لتلك الشركة مع لجان الفحص المحلية العاملة في تلك المنافذ، والتي ينبغي أن يكون فيها ممثلون عن الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية، وممثلون عن وزارات، المالية، والصحة والبيئة في الحكومة المركزية. بجانب أهمية الارتقاء بأدوات وآليات العمل في تلك المنافذ بما يحقق امكانية العمل باسلوب النافذة الواحدة دون تلكؤ ويضمن معايير الادارة الرشيدة وفي مقدمتها الافصاح والشفافية والمساءلة، حينها ستضمن السوق المحلية تطبيقاً صارماً لقوانين «حماية المنتج المحلي، والمنافسة ومنع الاحتكار، وحماية المستهلك» بعد ضمان جباية الأموال الجمركية وصحة الأوراق التي ستعني وبالضرورة وضع حد للتهرب الضريبي وبالتالي تعظيم الايرادات غير النفطية، وبخلافه فان اللجوء لاسلوب الاستثمار في هذا الملف ربما سيكون هو الأقرب الى الواقع من خلال التعاقد مع شركات رصينة لها تجارب عديدة في دول شهدت بعضاً مما شهدته بلادنا.