وسط الركام ورائحة الموت.. ورشة عمل كبيرة للبحث والتحقيقات

الرياضة 2020/08/09
...

بيروت / جبار عودة الخطاط

لم يستفقْ لبنان بعد من هول الصدمة التي صعقته يوم الثلاثاء الماضي حينما عصف انفجار هائل وغير مسبوق بمرفأ بيروت، الشريان التجاري اللبناني الرئيس على البحر الأبيض المتوسط، ما أسفر عن  مئات الضحايا والاف الجرحى، العديد منهم إصاباتهم خطرة، وألحق دماراً شاملاً على امتداد مساحة المرفأ ومناطق واسعة من العاصمة اللبنانية، بينما تجري فرق إنقاذ لبنانية وأجنبية عمليات البحث عن عشرات المفقودين. 

رائحة الموت والدم المنبعثة من الحطام الهائل والخراب المنتشر في كل مكان  تشي بحجم المصيبة التي ألـمَّت بلبنان.. هذا البلد الصغير الجميل الذي كان أساساً يرزح تحت وطأة أزمات عاصفة منذ 17 تشرين من العام المنصرم حيث انطلق الحراك الجماهيري المنتفض ضد الفساد والجوع وانهيار العملة الوطنية.. «وكأننا لم يكن ينقصنا شيء من المصائب الا هذه المصيبة التي دمرت ما تبقى من أمل لبناني»؛ قالتها لنا ستينية لبنانية وهي تكفكف دموعها بيد وتحمل صورة ولدها المفقود باليد الأخرى وأردفت وهي تجهش ببكاء مر «أتمنى من الله أن يعيده لي فهو أب لطفلتين  تنتظرانه بشوق وألم».
هذه المرأة المسكينة ومثلها آخرون ينتظرون على مشارف المرفأ وأبواب المستشفيات بحثاً عن مصير أبنائهم. 
 
مسرح الانفجار
«الصباح» زارت مكان الكارثة للتعرف عن كثب على طبيعة الانفجار ولملاحقة أبرز المعطيات والعمليات والجهود الحكومية المدعمة بجهد دولي اختصاصي ولوجستي لتحليل الانفجار ومحاولة الوقوف على أسبابه والتحقق الميداني الكثيف الساعي لفك الكثير من شفرات الأسئلة التي طرحت وما زالت تطرح بقوة حيال الانفجار، كما تنصب جهود كبيرة أخرى وهي تسابق الزمن للبحث عن الأشخاص المفقودين جراء الانفجار الكبير. 
السلطات اللبنانية ضربت طوقاً أمنياً حول مكان الانفجار ولم تسمح إلا للأشخاص المخولين حصراً بدخول المنطقة، للحفاظ -كما قال لنا رجل أمن لبناني- على دقة الأشياء الموجودة في مسرح الانفجار لئلا يطالها تغيير غير مقصود وربما يكون مقصودا، ولكي لا يتم تبديد جزء مهما كان حجمه من الحقيقة الكامنة خلف سبب الانفجار.
 
جهود كبيرة
في هذه الأثناء، لاحظت «الصباح» ورشة عمل وإنقاذ وبحث ضخمة تتواجد في مرفأ بيروت من خلال  فرق الإنقاذ اللبنانية التي استقدمت آليات ومعدات وكلابا مدربة الى موقع الانفجار وأعمال رفع الانقاض بمشاركة فرق (روسية وايطالية وفرنسية وبرازيلية) وأخرى عربية لم نتمكن من معرفة هويتها، وركزت فرق إنقاذ لبنانية وفرنسية جهودها في منطقة  (الإهراءات) بالمرفأ وهي تستخدم الآليات في مسعى لرفع الأنقاض وكميات القمح الكبيرة التي اختلطت بنترات الأمونيوم في محاولة للعثور على المفقودين الذين قدر مسؤول أمني عددهم لـ «الصباح» بنحو 83 شخصاً من بينهم فوج طوارئ بيروت الذي اختفى وهو يحاول معالجة الحريق الضخم في (الإهراءات).
كما لاحظت «الصباح» الجهود الكبيرة التي تقوم بها الفرق الطبية الميدانية في موقع الانفجار وهي تتسابق لبث روح الحياة والعافية في مكان ما زالت رائحة الموت تنبعث من بين جنباته، وفي هذا السياق أكد سليمان هارون، رئيس نقابة المستشفيات الخاصة في لبنان: «الوضع مؤلم والكارثة كبيرة، غير أننا ما زلنا حتى الآن  قادرين على التعامل مع تداعيات الكارثة رغم العدد الكبير جدا من الجرحى الذين ما زالوا يتلقون العلاج في المستشفيات»، مضيفاً أن «ثلاثة مستشفيات خاصة رئيسة خرجت من الخدمة جراء الأضرار الناجمة عن تفجير الثلاثاء الذي لم نشهد له مثيلاً». 
 
مذكرات قبض
وبهذا الصدد علمت «الصباح» أن إجراءات التحقيق اللبنانية قد طالت شخصيات كبيرة في إدارة المرفاً ودائرة الجمارك اللبنانية، حيث أصدر مدّعي عام التمييز اللبناني القاضي غسان عويدات، أوامر قبض قضائية شملت مسؤولين بارزين منهم  حسن قريطم مدير المرفأ مع أكثر من 15 موظفاً مهماً، وشملت أوامر التوقيف المدير العام للجمارك اللبنانية بدري ظاهر والمدير السابق شفيق مرعي فضلاً عن توقيف ثلاثة فنيين في مجال الحدادة. 
التحقيقات التي تجرى على قدم وساق متواصلة من أربعة أيام وطالت بإجراءاتها العديد من الشخصيات وعمليات التوقيف، كما شدد موظف أمن في المرفأ لـ «الصباح» على أن «الأيام المقبلة ربما ستشهد زيادة في الأشخاص الذين سيطالهم التحقيق القضائي الجاد، لأن تبعات التفجير الكارثي لا يتحمّل مسؤوليتها موظفون وعمّال صغار في المرفأ، بل تقع مسؤوليتها بكل تأكيد على عاتق المسؤولين الكبار الذين تدرجوا على مسؤولية إدارة المرفأ عام 2014 حيث جاءت الشحنات المشؤومة المتمثلة بـ 2750 طناً من نترات الأمونيوم بالمرفأ  حتى ساعة حدوث الانفجار». 
 
أسئلة مشروعة
الباحث اللبناني عباس غصن الذي التقيناه قرب المرفأ طرح عبر «الصباح» عدة أسئلة وصفها بالمشروعة والملحة قائلاً: «أود طرح أسئلة مشروعة من أناس مفجوعين وموجوعين، يقال إن العنبر رقم12 مساحته 8000 م.م وهو مخزن يتسع لـ 2750 طنا أي ما يعادل 90 مقطورة، وإيجار المتر المكعب الواحد اليومي في المخزن أو الهنغار بعد فترة السماح 3 دولارات، باعتبار أن الموقع هو من أغلى المستودعات في البلد، أي ما يعادل 9ملايين دولار سنوياً، ومدة التخزين 6 سنين بإيجار سنوي 9 ملايين دولار، فيكون إجمالي المستحق أربعة وخمسين مليون دولار عن 6 سنوات» .
وأضاف أن «السؤال هو؛ أولاً: 2750 طنا أي حمولة 90 تريلة من المواد الممنوعة دوليا والقابلة للانفجار، من سمح بتخزينها كل هذه المدة؟، ثانيا: من استولى على هذا المبلغ البالغ 54 مليون دولار أو تغاضى عن هذا الحق؟، ثالثا: من سمح بالتخزين المجاني بدون مقابل لمستوع لمدة 6سنوات؟، رابعا: كيف سمحت الدوائر الامنية المختلفة من قضائية وإدارية وأمنية بحتة بتخزين هذه المواد؟، خامسا: إذا لم يسدد بدل المثل ولم يصدر إعفاء؛ فمن هو صاحب القرار في وزارات المالية والاشغال والداخلية وقيادات الجيش ورئاسات الحكومة؟؟».
 
خسائر هائلة
أما محافظ العاصمة اللبنانية بيروت، مروان عبود الذي حرص على التواجد الميداني في المرفأ، فأكد أن «الانفجار الهائل الذي وقع في المرفأ، الثلاثاء الماضي، شرّد نحو 300 ألف من سكان بيروت»، مقدرا حجم الخسائر المادية بمبلغ يتراوح بين 3 إلى 5 مليارات دولار.
وأضاف عبود، «أعتقد أن هناك بين 250 و300 ألف شخص أصبحوا من دون منازل.. منازلهم أصبحت غير صالحة للسكن»، كما أوضح أن نصف مساحة العاصمة اللبنانية قد تضررت من الانفجار الضخم، الذي خلف أكثر من 154 قتيلا ونحو خمسة آلاف جريح، وفق آخر الإحصائيات. 
وكشف محافظ بيروت عن أن عمليات البحث عن المفقودين متواصلة ليلا نهارا، ولكن بوتيرة بطيئة في بعض الأحيان، بسبب الظروف التقنية وطبيعة الموقع، لافتاً إلى أن السلطات المحلية في بيروت قررت إغلاق عدد من الشوارع المحيطة بمكان انفجار المرفأ، بينها شارع الجميزة، خوفا من تداعي بعض الأبنية وسقوطها.
 
عقوبات شديدة
الرئيس اللبناني ميشال عون  شدد من جهته على «أن سلطات البلاد مصممة على كشف ملابسات الانفجار في أسرع وقت»، متوعدا بـ «إنزال أشد العقوبات بحق المسؤولين عنه» .
وذكر عون في كلمته خلال جلسة طارئة للحكومة اللبنانية لبحث تداعيات الكارثة : «إننا مصممون على السير في التحقيقات وكشف ملابسات ما حصل في أسرع وقت ممكن، ومحاسبة المسؤولين والمقصرين وإنزال أشد العقوبات بهم» مضيفاً : «سنعلن بشفافية نتائج التحقيقات التي ستجريها لجنة التحقيق، وترجع نتائجها إلى القضاء المختص».
بينما شدد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على ضرورة «عدم السماح خلال التحقيق بحماية أحد أو اخفاء الحقائق عن أحد، ويجب إنزال العقاب العادل بكل من يثبت تورطه بعيداً عن أي حسابات أو انتماءات».
وأكد السيد نصر الله في كلمة بثها تلفزيون المنار مساء أمس الأول الجمعة أن «الحقيقة والعدالة يجب أن تسيطرا على التحقيق والمحاكمة، وأن الدولة اللبنانية بكل سلطاتها إذا لم تستطع بهذا الملف أن تصل إلى نتيجة في التحقيق والمحاكمة؛ يعني لا يوجد أمل ببناء دولة». 
في سياق متصل، قالت وزارة الخارجية الهولندية إن زوجة السفير الهولندي في لبنان توفيت أمس السبت، بعد إصابتها بجروح خطيرة في انفجار بيروت، وقالت الوزارة: إن «السيدة، هيدويغ والتمانس موليير، (55 عاما) أصيبت جراء الانفجار عندما كانت تقف بجانب زوجها السفير، جان والتمانس، في غرفة المعيشة بمنزلهما في بيروت».
 
شريان لبنان
هذا ويعد مرفأ بيروت الميناء الرئيس في لبنان والذي يقع في الجزء الشرقي من خليج سان جورج على ساحل بيروت شمال البحر الأبيض المتوسط وغرب نهر بيروت، وشكل كما يقول خبراء مركز التقاء للقارات الثلاث: أوروبا، آسيا، وأفريقيا، ما جعله ممرًا لعبور أساطيل السفن التجارية بين الشرق والغرب، ويذكر الخبراء أن «المرفأ الذي أسس عام 1887 كان في سبعينيات القرن العشرين؛ أبرز محطة للتجارة الدولية مع الدول العربية المحيطة، ويضم مرفأ بيروت أربعة أحواض يصل عمقها إلى 24 مترًا، إلى جانب آخر خامس قيد الإنشاء، فضلاً عن أكثر من 15 رصيفًا ومنطقة شحن عامة مكونة من 12 مستودعًا، ومستودعات كبيرة لتخزين القمح والحبوب، حيث تعد الخزان الاحتياطي الستراتيجي للقمح للبلاد وهي المنطقة التي دمرت تماماً جراء الانفجار.
 
تظاهرات ناقمة 
الى ذلك، شارك المئات من اللبنانيين في تظاهرات غاضبة وسط بيروت أمس السبت للتنديد بالاوضاع التي تمر بها لبنان.
ورصدت «الصباح» اندلاع مواجهات مباشرة بين المتظاهرين الساخطين والقوى الأمنية بعد ازالة الأسلاك الشائكة في وسط بيروت من قبل عدد من المشاركين في التظاهرات، الذين  نجحوا بإزالة العائق الحديدي المؤدي الى مجلس النواب في عين التينة مما حدا القوى الأمنية  على اطلاق القنابل المسيلة للدموع للحيلولة دون وصولهم للمجلس.