الأخوان رحباني.. الأخوان صالح وداود الكويتي

الصفحة الاخيرة 2019/01/02
...

سامر المشعل
من المصادفات القدرية الجميلة ان يولد في لبنان الاخوان عاصي ومنصور رحباني، وان يكون في العراق الاخوان صالح وداود الكويتي، وهما من يهود العراق، تضافرت جهود الاخوين معاً لظهور تجربتين غنائيتين تمتازان بالحداثة والرقي والثراء الذوقي والجمالي.. فشكل الاثنان ظاهرتين بالغناء جعلت العالم العربي يستمع اليهما بتقدير واحترام، وان اختلفا في الشكل والمضمون.
فالمدرسة العراقية المتمثلة بالثنائي صالح وداود الكويتي سبقت التجربة اللبنانية، ففي عقد الثلاثينيات من القرن الماضي نضجت تجربة الاخوين صالح وداود وقدما نماذج غنائية مستمدة من الروح العراقية، بصيغ ابداعية حداثوية اسست بمجملها الى الاغنية العراقية الحديثة، قدم الملحن صالح الكويتي ثروة لحنية ضخمة منها أغنية " قلبك صخر جلمود"، و"هذا مو انصاف منك"، و"يانبعة الريحان" و" الهجر مو عادة غريبة"، و"على شواطي دجلة مر"، و"يا هلخلك".. وغيرها ونستطيع القول ان معظم التراث العراقي على مدى نصف قرن من القرن العشرين، خرج من مخيلة الاخوين الكويتي الجانحة في افق الابداع الغنائي.
اما تجربة الاخوين رحباني في لبنان والتي بدأت في خمسينيات القرن الماضي، فكانت تجربة ثرية ورصينة ترجمت مفردات الحياة اليومية على نحو مبتكر مستلهمين الفولكلور والتراث اللبناني مثل الميجانا والعتابا وكل الالوان الغنائية بقالب موسيقي غربي اوركسترالي، فهي تجربة لبنانية بنكهة عالمية، فتحت ذائقة المستمع العربي على مديات واسعة من جماليات الموسيقى والتعبير الانساني.
الاخوان، عاصي 1923، الذي يكبر اخاه منصور بعامين، ينتميان الى عائلة فقيرة، لاب هارب من حكم الاعدام من قبل السلطات العثمانية، وكان يستخدم اولاده في العمل معه في المقهى.
في احد الايام عثر عاصي على عشر ليرات في المقهى، ذهب على الفور ليشتري بها "كمان"، منذ ذلك الحين بدأت لبنان تنتظر ذلك الصبي، الذي رفع اسم بلده ليشمخ عالياً في سماء الابداع بفيض موهبته.
عمل الاخوان اول الامر في سلك الشرطة، لكنهما لم يستطيعا أن يحققا المعادلة في حفظ الامن بالنهار واسعاد الناس في الليل، فاستقالا وانضما الى الاذاعة اللبنانية.
وجدا ضالتهما بنهاد حداد " فيروز" كونها الصوت المعبر والناطق الجمالي بما يختزنانه من ابداع لحني وموسيقي. بدأت الرحلة لتنتج مئات الاغاني والمسرحيات والافلام الغنائية، التي جعلت العالم العربي يصحو على وقع رذاذ فيروزي، يجعل الحياة أكثر تفاؤلا وقبولا.