رافقت الشاعرة د. أمل الجبوري.. عصراً، في جولة قطعنا فيها شارعي السعدون وأبي نؤاس.. سيراً على الاقدام، في طريق معبد بالذكريات الخاصة والعامة.
بيوت من طراز "الجفقيم – تعقب الطابوق" ومماش مرصوفة بـ "الآجر – اللبن القديم" تقطع أزقة ودرابين، متفرعة من الشارعين.. تبادلاً؛ كأن عبد المحسن السعدون، تخطى حاجز الزمن، متقهقراً الى العهد العباسي، يرتشف.. خلسة.. كأس أبي نؤاس، الذي وضعته الجارية، في مكان للامير فيه حصة. دلفنا من مطعم قدوري التراثي، بعد غداء تشريب.. متأخر، الى مجموعة مكتبات مطلع شارع السعدون.. مقابل نفق التحرير، في الساحة التي حمل اسمها، في الباب الشرقي.
استقبلنا سام بناي جار الله، وارث مكتبة "التحرير" عن والده، مرحباً: "ما زال الشباب يطلبون كتباً في العلوم الانسانية والتطبيقية" مؤكداً: "يسألون عن منهج قراءات؛
فنوجههم".
"إقبال يومي تشهده المكتبات، على الادب والعلوم والدراسات واللغة" قال بناي الابن، مؤكداً: "1 % من قراء السبعينيات، لا يبلغ عدد رواد المكتبات الآن.. قاسم الرجب.. اليقظة العربية.. نحن مكتبة التحرير.. ابناء حياوي.. النهضة.. المكتبتان الفلسطينية.. والعالمية.. المطير.. الحضارة العربية.. سلسلة تبدأ من سياج جسر الجمهورية، وتنتهي بالفرع الاول من شارع السعدون، يكتظ الباب الشرقي بروادها.. مثقفون تقليديون وأساتذة جامعات وتخصصات علمية بحتة وطلبة وشباب يتطلعون الى نجومية أدبية، مثل السياب وجبران خليل جبران واحمد شوقي وإيليوت وشكسبير، تتدفق أحلامهم هنا، وتئدها حرب الثمانينيات وعقوبات التسعينيات الدولية – الحصار، والتداعيات التي تلت".
وأضاف سام: "لم تبق سوى اثنتين منها، التحرير والنهضة؛ لأن التغيير شمل كل شيء.. المكان والانسان".
سأل مهندس عن كتاب: "رياضيات المساحة" فقالت الشاعرة الجبوري: "معظم اوقاتنا نستنفدها في رحاب هذه المكتبات، الى أن شتت بنا الاقدار نفياً لا نعرف هل هو اختياري ام إجباري، فقد تساوى لدينا.. السر والعلن.. تحت ضغط الظروف القاهرة التي ما زلنا نعيشها، وقد صبت علينا مصائب، لو انها صبت على الايام صرن ليالي". ودعنا سام بناي جار الله، صاحب مكتبة التحرير، وغادرنا.. أنا ود. أمل الجبوري، وكأنني عائد من ثمانينيات الغياب عن الدرس الاخير، في إعدادية الثورة، عند الساعة الثالثة عصراً، متجهين.. لفيفاً من اصدقاء.. الى شارع السعدون.. نأكل سندويجات كص ونحتسي شاياً وندور بين المكتبات نشتري باسعار تعاونية؛ تشجيعاً من اصحابها لصغر سننا على القراءة المتطاولة سمواً نحو امهات الكتب، يلفونها لفة جميلة.. تثبت بلاصق شفاف، نحملها داخلين إحدى سينمات السعدون، النجوم ،سميراميس ،النصر، بابل، حسب جودة الفيلم.