من دواعي الأخذ بنظر الاعتبار جميع الأحداث التي مرّ بها العالم بأجمعه، والعراق على وجه الخصوص، فإن هناك بعض النتائج التي تُبين مدى انعكاس الفرد العراقي على الحالات الاجتماعية والسياسية والنفسية، وهي بلا شك تنطوي على أرضية بيئية (لما آلت إليه انعكاسات الجائحة في المجتمع العراقي)، وليس غريبا أن يمرّ البلد بهذه المحن، فهو منذ عقود متتالية لم يهنأ شعبه من أي استقرار، وعليه تصبح النتائج حاضرة وواضحة من خلال الانعكاسات التي تفرزها كل مرحلة، واذا ما قلبنا أوراق ماضينا القريب، سنجد هناك العديد من الانتكاسات التي أفرزتها الحكومات السابقة قبل الاحتلال وبعده، لكن اللافت أن الإنسان العراقي سرعان ما يجد البديل لكل محنة، انطلاقا من حياة الحصار الذي قلب موازين الفرد العراقي من الناحية الاقتصادية مرورا بالاستحقاق المطلبي في الخدمات وتحسين المعيشة، وليس انتهاءً بفرص العمل التي تضمن الحقوق البسيطة للمعيشة، كل هذه الأمور تمثل استحقاقا أساسيا لأبناء المجتمع العراقي، ورُبِّ سائل يسأل (وماذا عن حياة الإرهاب وانتهاك حقوق المدن التي نالها الخراب)، نقول: إن كل ما مرّ في حياة مضطربة وفي تآمر إقليمي ودولي على أرض العراق، قد دحر بإذن الله وسواعد الأبطال من أبناء البلد، وقد كشف الإعلام عن ذلك وأبدى بعض المحللين من أصحاب الشأن الحلول الوافية، ولأنها صفحة سوداء ولا نريدها أن تتكرر، فإنَّ جلّ ما نركز عليه ونشير إليه: هو كيف ننهض
بالخراب ونزيل آثاره التي تبقي بصمات الإرهاب، وهذا يعني أننا بحاجة الى حياة جديدة، ولعل الحياة الجديدة تقتضي قراءة الواقع من جميع الجوانب وايجاد الحلول بالسرعة الممكنة، لأنها مصيرية، ولأنَّ المجتمع العراقي أصبح يُمني النفس في استنشاق حياة الأمن والأمان.
أضف الى ذلك ما تعيشه الساحة العراقية من اختلاف في وجهات النظر من الناحية السياسية لجميع الأطراف، وتبادل الاتهامات وكشف المستور وإظهار التجاوزات وملفات الفساد علناً، فإنَّ الطريق المختصر لذلك يجب وضعه في خانة (المحاكمة القانونية)، وبعدها توضع خطة ملائمة لمعالجة الخلل، ومن خلالها سنجني ثمر ذلك، فالحياة الجديدة هي حياة إزالة وبناء، حياة رصف وتعديل، ولا بد من تكريس الجهد الكافي وكيفية وضع الحدّ من قبل السلطة الحاكمة.
وحين نمني النفس في حياة مليئة بالاستقرار، فهو أمر نراه طبيعيا جدا، بخاصة اذا ما قلبنا الصفحات الأولى في تاريخ العراق، فقد كان في طليعة بلدان الشرق الأوسط في التعليم والصحة، وذكرت المنظمة العالمية (اليونسكو) ان العراق قبل العام 1991 كان يمتلك نظاما تعليميا هو الأفضل في المنطقة، إذ قضى - وبنسبة كبيرة - على الأمية، بعد ان خصصت نسبة معينة من ميزانية الدولة لذلك، ولعل هذا الجانب وغيره يشكل انعطافة واعية مفادها أن بلدا مثل العراق لو توفرت فيه عوامل النهوض فإنه سينهض بلا شك، وهناك بعض البلدان المجاورة لم تكن تمتلك الأرضية الخصبة التي كنا نمتلكها، غير أنها في العقود الأخيرة استطاعت عبر الاستثمار أن تضع خطة لنهوضها. عراقنا الجديد، عراق ما بعد المحنة التي ستزول حتماً، نريد فيه حياة تليق بتكوينه وتاريخه وقدرته على التواصل مع العالم من دون عوائق، وحين تفتح نوافذ العمل في ميادين الزراعة والصناعة والتجارة، وغيرها من الأمور، فإنَّ بوادر النشأة الجديدة للحياة ستظهر ملامحها وهي من أساسيات العمل عليها من قبل السلطة البلد.