مَثلُ الذين يُسيئون الى لغتهم العربية فيرفعون المنصوب وينصبون المجرور مَثَلُ الولد الذي يُسيء الى أمّه ...
فالعربية إنما هي الأمّ التي يؤلمها كثيراً تخبط أبنائها وكثرة عثراتهم في خطبهم وكتابتهم ...
ومَنْ منكم يرضى أنْ يُكتبَ في قائمة المسيئين لأمهاتهِم؟
إنّ العقوق من أكبر ما يُسوّدُ صحائف أصحابه ...
واذا كان «اللحن» اللغوي قد شاع وذاع بيننا، فإنه كان ملحوظاً بدرجة وأخرى في سالف الأيام، ولكنه لم يكن بالدرجة التي وصل إليها اليوم...
قالوا : إنّ رجلاً استأذن على (ابراهيم النخعي) فقال:
أبا عمران في الدار؟
فلم يُجبْهُ فقال : أبي عمران في الدار؟
فناداه: قل الثالثة وادخل
لقد كان بعض الأعلام يسارع الى الاستغفار متى ما اقترفَ خطأً
لُغوياً..!!
فقيل له : ما هذا الاستغفار ؟
قال: {مَنْ أخطأ فقد كذب على العرب، ومن كذب فقد عمل سوءًا وقال الله تعالى: «ومن يعمل سُوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيما»
النساء / 94
ومن المفيد أنْ نذكر هنا ما نُقل عن أبي عمرو بن العلاء:
قيل لمنذر بن واصل: كيف شهوتُك للادب؟
فقال: أسمعُ بالحرف منه لم أسمَعْهُ، فتود أعضائي أنَّ لها – أسباباً تتنعم مِثْلَ ما تنعمت الآذان.
قيل: وكيف طَلَبُك له؟
قال: طلبُ المرأة المُضِلَّةِ ولدَها وليس لها غيره.
قيل: وكيف حرصُك عليه؟
قال: حرص الجموع المنوع على بلوغ لذته في المال».
هكذا كانت اللهفة لاقتناص الجديد من النصوص الأدبية، وهكذا كان الطلب لها شديداً، وما مثالُ الأمّ الباحثة عن ولدها الوحيد المفقود إلّا التعبير الصريح عن الإرادة الجادة والسعي الحثيث لبلوغ الأرب في ميدان الأدب.
وكان يُقال: عليكم بالأدب:
فإنه صاحبٌ في السفر،
ومؤنسٌ في الحَضَر،
وجليسٌ في الوحدة،
وجمالٌ في المحافل،
وسببٌ الى طلب الحاجة»
وقال الشاعر:
ما وَهَبَ اللهُ لامرئٍ هبةً
أحسنَ مِنْ عَقْلِهِ وَمِنْ أَدَبِهْ
هما جمالُ الفتى فإن فُقدا
ففقدُه للحياةِ أجملُ به
إنّ «الكورونا» التي فرضت علينا ألا نبارح بيوتنا، وفرّت الفرصة وأتاحَتْها لا لتقويم اللسان باستذكار قواعد اللغة فحسب، بل للسياحة في كتب الأدب وجني بعض ثمارها اللذيذة، ولكنّ معظم الناس شغلوا بما غصّت به مواقع التواصل الاجتماعي من غثّ وأباطيل، وببرامج الفضائيات التي لا تكف عن إثارة الغرائز وإشاعة الأكاذيب وتحريف الحقائق.