محمد كريم الخاقاني *
عندما شرعت تركيا في بناء سدود عملاقة على نهري دجلة والفرات وروافدهما فإنها استمدت ذلك من فكرة قديمة ترتكز على الإيجابية المطلقة لبناء السدود الكبيرة على مجاري الأنهار، وفيما اذا كانت تلك الأنهار هي مجاري مائية مشتركة فإننا سنكون أمام مشكلة كبيرة تتعلق بتناقص كميات المياه الواصلة لدولة أسفل النهر ونقصد بذلك العراق، فسد أليسو ينفذ ضمن مشروع عملاق في جنوب شرق تركيا في أعالي حوض نهر دجلة وهو ما يعرف بمشروع (كاب)، وقد أعلنت تركيا بأن الهدف الأساس من بناء سد أليسو هو توليد الطاقة الكهربائية، وتعد تركيا سد أليسو سدا كهرومائيا وهو يسمح بمرور المياه وتدفقها بإتجاه العراق لتوليد الكهرباء حسب ادّعائهم ومن ثم فإنه لا يمثل خطرا على العراق، ويعد السد الأول والأكبر من نوعه الذي تقيمه تركيا داخل حدودها وعلى بعد ٦٥ كيلو مترا من الحدود العراقية السورية، وبذلك تستنفد تركيا نهر دجلة من خلال بناء السد كما فعلت سابقا على نهر الفرات وتشييدها لسد أتاتورك.
ويعد سد أليسو من أكثر السدود جدلا بسبب المخاطر التي من الممكن أن يتسبب بها، إذ إنَّ تركيا قد بنت السد من دون حصولها على موافقة من قبل الساكنين المحليين في جنوب شرقها وغالبية ساكنيها من القومية الكردية ويهدد بإغراق مدينة حسن كيف الأثرية، فضلا عن عدم حصولها على موافقة دولتي أسفل النهر وهي العراق وسوريا ومن دون التفاوض معهما بشأن بناء السد.
إن سد أليسو يتسبب بخسارة فادحة للعراق تتمثل بأكثر من نصف واردات نهر دجلة، فمثلا يخسر العراق تقريبا ٤٠ ٪ من أراضيه الصالحة للزراعة فضلا عن خروج سدي الموصل وسامراء عن العمل، وهذا ما يهدد الأمن المائي العراقي، إذ سيتحكم سد أليسو بكميات المياه الواردة من نهر دجلة من قبل تركيا، وهذا ما سيضاعف من شحة المياه التي يعاني منها العراق أصلا، إذ أن إكمال بناء السد سيمهد الطريق لبناء باقي السدود الفرعية كسد الجزرة الذي يعد جزءا من منظومة أليسو التي ستعمل على تحويل كميات كبيرة من مياه نهر دجلة لأغراض الزراعة والري وانخفاض تدفق المياه الى دول المصب (العراق وسوريا) وهي تعاني من شحة مياه ويساعد على خلق أوضاع صعبة عليهما وخاصة أن المنطقة تشهد منذ سنوات جفاف شديد وظروف مناخية قاسية جدا.
ومن أجل تجنب آثار ملء السد من قبل الجانب التركي، لا بدّ من تحرك حكومي على أعلى المستويات عبر تشكيل وفد للتفاوض مع تركيا وبمستويين، الأول يتعلق بالجانب الفني وإعطاء صورة واضحة لحجم الأضرار التي يتسبب بها سد أليسو وانعكاسات ذلك على الحصص المائية المقررة للعراق من مياه نهر دجلة، أما المستوى الثاني فيخص الجانب السياسي وإمكانية حل المشكلات بين البلدين بالوسائل الدبلوماسية والعمل على توضيح فكرة أن نهر دجلة وفقا للقانون الدولي هو من الأنهار الدولية ومن ثم تنطبق عليه أحكام القانون الدولي وخاصة في ما يتعلق بحصة العراق المائية منه.
* أكاديمي وباحث في الشأن السياسي