تتابعت الجهود العربية في دراسة المعجم العربي منذ أن افتتح الخليل الباب في التأليف المعجمي، وكانت التأليفات التي تلت معجمه (العين)، تحاول أن تستدرك عليه طريقةً وأسلوبًا؛ ولذلك وصلنا نتاجٌ معجميُّ جديرٌ بالدراسات والاستقراء. وقد تلقف الباحثون العرب هذا النتاج ودرسوه، وبينوا ما فيه من عظيم الآراء، وما ورد فيه من هنات هنا أو
هناك.
وقد مرت تلك الجهود بمراحل تطورت بتطور الدرس اللغوي والنحوي في العصر الحديث، ولعل العراق يقف في مقدمة الدول العربيّة التي عُنيت بهذا التراث المعجمي الهائل؛ إذ تصدى له كبار علمائه من أمثال: الأب إنستاس ماري الكرمليّ، ود.مصطفى جواد، ومحمد رضا الشبيبي، والشيخ محمد حسن آل ياسين، وغيرهم. ولأهمية هذا الدور الذي أداه الباحثون العراقيون، وجد الدكتور نعيم سلمان البدريّ من الضرورة دراسة هذه الجهود العراقيّة واستنطاقها في كتابه: (دراسات معجميّة) عبر مقدمة وتمهيد وأربعة فصول. لقد أفاض القول في اشتقاق اسم (المعجم)، وناقش آراء الباحثين المحدثين، ووجدهم يختلفون في ذلك الاشتقاق، فمنهم من ذهب إلى أنَّه اسم مفعول (المُعْجم)، ومنهم يقول إنه مصدر جاء بمعنى (الإعجام)؛ لكنَّ البدري ركن إلى رأي الشيخ آل ياسين، بأن “كلمة المعجم قد تكون اسما للمفعول، وتكون مصدرًا، وأن موقعها من الجملة، وسياق الكلام هو الذي يحدد المعنى المراد منها في كلِّ استعمال من الاستعمالات الواردة”. أما ما يتعلق بجمع المعجم؛ فوجدهم يختلفون في جمعه، فمصطفى جواد منع جمعه على معاجم، وارتضى بمعجمات أو معاجيم. وذهب الأثري إلى معجمات ومعاجم، بينما يرى الشيخ آل ياسين منع جمعه على معاجم، وبعد مناقشة مستفيضة لهذه الآراء قرر بأن جمع (معجم) على معاجم سائغ مقبول، وعلى (معاجيم) صحيح؛ لكنه قليل، وعلى (معجمات) صحيح، وجارٍ على القياس. أما مراحل تطور الدراسات اللغوية، فيرى أنها مرت بثلاث مراحل استنادًا لرأي أحمد أمين، وهي: جمع الكلمات حيثما اتفق، والثانية، جمع الكلمات بموضوع واحد، والأخيرة، وضع معجم شامل لكل الكلمات العربيّة. وقد تداول الباحثون هذا التقسيم مع إضافةٍ هنا أو هناك. وما أن نصل إلى د.محمد حسين آل ياسين نجده قد قرر “ليس ثمَّ فاصل زمني بين المرحلتين الأول والثانية، وأن كتاب (العين) للخليل يخرق القاعدة المنطقية المفترضة؛ بسبب أنه “ألف في خلال المرحلتين الأولى والثانية ولولا ذلك لكان افتراضنا في تسلسل المراحل الثلاث صحيحا إلى حدٍ كبير”. وقد ركن البدري إلى هذا الرأي. وبعد هذا، يقرر البدري سلفا، أن عناية الباحثين العراقيين انصبّت على ثلاثة اتجاهات: صنع المعجمات، وتحقيقها، ونقدها والاستدراك عليها. وقد مثّل الأول، انستاس الكرمليّ، والثاني، انستاس الكرمليّ ومصطفى جواد، الثالث، انستاس الكرملي في تصحيح أغلاط اللسان والتاج ومصطفى جواد في استدراكاته على صحاح الجواهري ومختار الصحاح واللسان والمصباح. وفي سبعينيات القرن الماضي وما بعدها، ظهر اتجاهان آخران، هما: تحقيق المعجمات، ودراسة المعجمات العربية دراسة علمية، ولكل مرحلة ممثلوها، كما جاء في الفصل الأول. وفي الفصل الثاني ناقش البدري (مناهج المعجمات العربيّة)، فبدأ بالدراسات اللغوية عند العرب) للدكتور محمد حسين آل ياسين، وقد اتفق معه في أكثر ما طرحه سوى ما يتصل بالرباعي والخماسي المعتلين الذي ذهب فيهما د.آل ياسين إلى أن الخليل آخرهما إلى آخر الكتاب وقد عقد لهما باباً للحروف المعتلة. وخلاصة رأي البدري فيهما أن الخليل بحث في باب الحروف أبنية كلها معتدلة بحسب منهجه، منها: ((آوى، أو، أي...))، ولم يشر إلى رباعي أو خماسي هنا، وقد خلت مما يعد رباعيًّا أو خماسيًّا إلا بعضا منها. ولم يأخذ على د.نعمة رحيم العزاوي في دراسته (أبو بكر الزبيديّ الأندلسي وآثاره في النحو واللغة) شيئًا يذكر؛ فقد اقتصر عمله على عرض ما قام به العزاوي في دراسة جهود الزبيدي في كتابه: (مختصر العين) الذي دار في ست نقاط: التنظيم، والتصحيح، والاختصار، والحذف، والإيجاز، والاستدراك. وقد سار البدري على ذلك في معاينته لدراسة د.محمد حسين آل ياسين في كتابه المتقدم (منهج الجيم). فيما أخذ على الباحث عبد الحسين عبد الله محمود في دراسته (ابن دريد وجهوده في اللغة) مأخذين، هما: الأول يتصل بشواهد الجمهرة التي تحدث عنها في مصادر الجمهرة، ووجه اعتراضه، أنه سلكها في منهجها لا في مصادرها، أمّا الاعتراض الآخر، فإن الباحث لم يفرد مبحثًا خاصًا لمظاهر الخلط والاضطراب التي شابت الجمهرة. وأما دراسة د.رشيد العبيدي (الأزهري في كتابه تهذيب اللغة) فعلى الرغم من استفاضته في وصف منهج الأزهري في تقسيم كتابه ودراسة الظواهر المنهجية فيه، فإن البدري يأخذ عليه عدم تطرقه إلى الاستطراد وهو صفة غالبة عليه، في حين أن الأزهري أول من اتجه بالمعجم نحو الاستطراد والتطويل.