حين يفقد الصحفي مهنيته... «تفجير بيروت أنموذجاً»

آراء 2020/08/12
...

راسم المرواني 
كثيرة هي الشعارات التي تصك سمع الملكوت، والتي كانت وما زالت تصك أسماعنا بما تحتويه من مفردات تمتلك القدرة على دغدغة المشاعر، وتوحي بالجمال والحب والإنسانية والخلاص، ومنها شعارات (الحيادية والمهنية) التي أدمنّـا سماعها من بعض وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، ومن بعض الساسة الذين يتربّع بعضهم على عرش التبريرات واللغة المنمقة.
ولأن الحيادية أو الاستقلالية أو المهنية (الحقيقية) هي نتاج الاختيار المتأتي عن الوعي والعقل، فمن المفترض أن هذه المصطلحات توصل أصحابها إلى الدقة والحرفية والدربة والحصافة على صعيد السلوك والتصريح، وما لم يتوخَ العاقل الدقة والتأني والحرفية والحيادية في سلوكه وتصريحاته فإن ذلك يعد دليلاً واضحاً على أن مبادئه وشعاراته المعلنة لا علاقة لها بحقيقته.
وطالما أنَّ الصحافة والسياسة صنعتان، فإن أول ما يخشاه ويتجنبه الصانع هو (الفشل) أو الخطأ الذي يؤدي به إلى فقدان (سمعته) ومكانته بين المجتمع، رغم قدرته على معالجته الخطأ، واستبداله بالصحيح على المدى القريب والبعيد، وأما أن يكرر الخطأ نفسه وبالمستوى نفسه من الأداء، ومن دون التفات إلى أي خدش يصيب مهنيته أو مصداقيته، فهذا دليل على (الاستهتار) والاستخفاف بمستوى وعي المجتمع.
إن أغلب الشعارات والمبادئ التي تتهشم على صخرة المنافع والمكاسب، التي تأتي بشكل منفعل مع المزاج الطائفي أو التحزبي، إنما يكمن السبب وراء تهشمها في كونها (جوفاء) يراد منها عبور مرحلة معينة، للوصول لغاية معينة، وهي أبعد ما تكون عن قناعة حاملها.
الحدث الكارثي الذي ألَـمَّ ببيروت قبل أيام، كان سبباً لكشف أوراق الكثير من وسائل الإعلام ومراسليها ومحلليها (المنتجبين والمنتخبين)، وكذلك الكثير من الساسة المغالين برفع شعارات الوطنية والإنسانية، حين استغل البعض حادثة التفجير - ومنذ ساعته الأولى - لكي يجففوا منابع الحقيقة، ويكشروا عن أنيابهم المختفية خلف الشعارات، ليعلنوا – جزافاً – إلى الصاق تهمة أسباب التفجير بجهة معينة أو حزب معين، من دون التريث والتثبّت من نتائج التحقيق، بتصريحات وتقارير تستبطن الحقد في مؤداها.
لقد مارس البعض دور (أهل مكة) من دون علم (بشعابها)، وأخذوا بالتخرّص على جهة معينة، متهمين إياها بالتسبب أو التخطيط لهذا التفجير، تحت ذرائع واهية، كوسيلة من وسائل (استغلال الفرص)، وتوظيف مآسي الآخرين للتنفيس عن أحقادهم، وتمرير أجنداتهم، سالكين بذلك مسلك الحمقى الذين لا يستحون من تصريح طائش قد يمس (مصداقيتهم) على المدى القريب أو البعيد عند انكشاف الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الحقيقة.
لقد حاول هؤلاء توجيه الوعي الجمعي نحو زاوية، لا تكون هي زاوية الحقيقة، غير مبالين إلى خطورة طمس الحقيقة، أو خلق فتنة أو حرب أهلية، أو إيغار صدور الآخرين بالحقد على جهة قد تكون براء من
هذا الحدث.
إنَّ التشبّث بالمهنية والمصداقية والحيادية سهل جداً وليس من المستصعب، ولكن حقيقة هذا التشبّث لا تصمد أمام حقيقة سلوك وتصريحات وتمريرات البعض، ممن يعدون مصداقاً لمقولة (مصائب قوم، عند قوم فوائدُ).