طلبت النيابة العامة التمييزية في لبنان إيداعها الموقوفين بانفجار بيروت لإحالتهم إلى القضاء العسكري لحين تعيين محقق عدلي، وأعطت النيابة أمس الثلاثاء، التعليمات اللازمة لإيداعها الموقوفين كي تتم إحالتهم الى قاضي التحقيق العسكري الأول لإصدار مذكرات توقيف، بانتظار تعيين محقق عدلي يضع يده على الملف، على أن يتابع من قبل النيابة العامة التمييزية التحقيق الأولي مع باقي الأشخاص المشتبه بهم والشهود، وإحالة الأوراق تباعا الى المحقق العدلي.
وفي وقت سابق، بدأ المحامي العام التمييزي، القاضي غسان الخوري، جلسات التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، مع الموقوفين والمتهمين وكثير من العناصر الأمنية، على خلفية الانفجار، حيث استمع الخوري أثناء جلسات التحقيق إلى إفادة مدير عام جهاز أمن الدولة، اللواء طوني صليبا، في قصر العدل في بيروت، وأوقفت السلطات اللبنانية 16 شخصا في إطار التحقيق بانفجار مرفأ العاصمة بيروت.
المديرية العامة لجهاز أمن الدولة في لبنان، ذكرت في بيان، أمس الثلاثاء، أنها اكتشفت ثغرات أمنية في مرفأ بيروت، أدت للانفجار الكبير الأسبوع الماضي، وأكد الجهاز إنه حذر السلطات المختصة بتقرير مفصل من خطورة المواد المتفجرة في مرفأ بيروت.
وجاء في البيان: إنّ «تمركز مكتب أمن الدولة في نقطة المرفأ حصل في الشهر الرابع من عام 2019، وكانت مهمّته الرئيسة مكافحة الفساد، وأثناء عمله في هذا المجال، تبيّن له وجود ثغرات أمنيّة في العنبر رقم 12، عندها قام بالاستقصاءات والتحرّيات اللازمة».
وأضاف البيان: «أصدرَت القيادة أمرا بإجراء تحقيق عدلي، فتمّ ذلك بموجب قانون أصول المحاكمات الجزائيّة وضمن أصول العمل في مجال الضابطة العدليّة. وبنتيجة هذه التحقيقات أرسلت كتابا قضائيا إلى رئاسة هيئة ادارة واستثمار مرفأ بيروت للقيام بالإجراءات الضروريّة على جميع الصعد لتلافي حصول أي حادث بسبب وجود هذه المواد الخطرة، كما أعلمت السلطات بخطورتها بموجب تقرير مفصل».
وأشار جهاز أمن الدولة إلى أنه بعد حصول الانفجار، «بدأت تكثر المقالات والتحليلات حول طبيعته»، وآخرها التسريبات التي طالت تصرف المدير العام إزاء هذا الحادث، وطالب بالابتعاد عن التصرفات التي تضلل التحقيقات، وأكد البيان أن القانون «سينصف من يعمل بصمت وسيعاقب من ضلل التحقيق ومن تقاعس عن القيام بواجباته».
في السياق نفسه، قالت «رويترز» إن مسؤولين أمنيين لبنانيين حذروا رئيس الوزراء ورئيس الدولة الشهر الماضي من أن وجود 2750 طنا من نترات الأمونيا بالمرفأ يمثل خطرا أمنيا ربما يدمر بيروت إذا انفجرت.
وبحسب «رويترز» تضمن تقرير من المديرية العامة لأمن الدولة عن الأحداث التي أدت إلى الانفجار إشارة إلى رسالة أرسلت بالبريد الخاص إلى الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء حسان دياب في 20 تموز.
ورغم أن مضمون الرسالة لم يكن ضمن التقرير الذي اطلعت عليه «رويترز» فقد قال مسؤول أمني كبير، إنها تتضمن ما توصل إليه تحقيق قضائي بدأ في كانون الثاني الماضي خلص إلى ضرورة تأمين المواد الكيمياوية الموجودة في المرفأ على الفور.
قال المسؤول الأمني: «كان هناك خطر أن تستخدم هذه المواد في هجوم إرهابي إذا سرقت»، وفي إشارة إلى الرسالة المرسلة إلى رئيس الوزراء ورئيس الدولة من المديرية العامة لأمن الدولة والتي تشرف على أمن المرفأ، قال المسؤول: «في نهاية التحقيق النائب العام (التمييزي غسان) عويدات أعد تقريرا نهائيا تم إرساله إلى السلطات».
ولم يرد مكتب رئيس الوزراء ولا رئاسة الجمهورية على طلبات للتعليق على الرسالة الصادرة بتاريخ 20 تموز، كما لم يرد النائب العام على طلبات للتعليق، ورجحت «رويترز» أنه من المحتمل أن يثير الحديث عن هذه الرسالة انتقادات جديدة ويغذي الغضب الشعبي من الانفجار الذي اعتبر أحدث مثال على إهمال الحكومة وفسادها الذي دفع بلبنان إلى الانهيار الاقتصادي.
ولا تزال أسئلة كثيرة بلا أجوبة حول سبب رسو السفينة بشحنة نترات الأمونيا في بيروت في أواخر 2013، والمحير أكثر من ذلك هو سبب السماح بتخزين كمية كبيرة من المادة الخطيرة في المرفأ كل هذا الوقت، بحسب «رويترز».
بدأ الطريق المؤدي إلى مأساة الأسبوع الماضي قبل سبع سنوات عندما رست السفينة «روسوس»، المستأجرة وترفع علم مولدوفا وتحمل شحنة من نترات الأمونيا من جورجيا إلى موزمبيق، رست في مرفأ بيروت لمحاولة نقل بضائع إضافية لتدبير رسوم المرور عبر قناة السويس، وفقا لما قاله ربانها.
وأوضح تقرير أمن الدولة إن سلطات المرفأ احتجزت السفينة روسوس في كانون الأول 2013 بالأمر القضائي 1031/2013 بسبب ديون عليها لحساب شركتين قدمتا طلبا للقضاء في بيروت لحجزها.
وفي مايو 2014 اعتبرت السلطات السفينة غير صالحة للإبحار وتم تفريغ شحنتها في تشرين الأول 2014 وتخزينها في ما عرف بالعنبر 12. وأظهر التقرير الأمني أن السفينة غرقت بالقرب من كاسر الأمواج بالمرفأ في 18 شباط 2018، وتقول مولدوفا إن شركة «بريروود كورب» التي تتخذ من بنما مقرا لها هي صاحبة السفينة.
وفي شباط 2015 عين قاضي الأمور المستعجلة، نديم زوين، خبيرا لتفقد الشحنة، وفقا لما ورد في التقرير الأمني، وقال التقرير إن الخبير خلص إلى أن المواد المخزنة خطيرة وطلب عبر سلطات المرفأ نقلها إلى الجيش، وذكر التقرير أن قيادة الجيش اللبناني رفضت الطلب وأوصت بنقل المواد الكيمياوية أو بيعها إلى الشركة اللبنانية للمتفجرات، وهي شركة خاصة.
وتبين الطلبات التي اطلعت عليها «رويترز»، أن مسؤولي الجمارك والأمن استمروا بعد ذلك في مراسلة القضاة كل ستة أشهر تقريبا لطلب نقل المواد الكيمياوية.
في كانون الثاني 2020 أمر قاض بإجراء تحقيق رسمي بعد اكتشاف أن العنبر 12 لا يخضع للحراسة وبه فجوة في حائطه الجنوبي، كما أن أحد أبوابه كان مخلوعا، الأمر الذي كان يعني أن المواد الخطرة عرضة للسرقة.
وفي الرابع من حزيران وبناء على اوامر النائب العام، أصدر أمن الدولة تعليمات لسلطات المرفأ لتوفير حراسة للعنبر 12 وتعيين مدير له وتأمين جميع الأبواب وسد الفتحة في الحائط الجنوبي.
وقال المسؤول الأمني: «الصيانة بدأت وأرسلت (سلطات المرفأ) فريقا من العمال السوريين (لكن) لم يكن هناك من يشرف عليهم عندما دخلوا لإصلاح الفجوات»، وأضاف المسؤول إن شررا تطاير من أعمال اللحام خلال الإصلاح وأشعل حريقا وبدأت النيران في الانتشار إلى باقي المرافق.
وقال المسؤول: «أثر الانفجار كان مخففا فقط لأن العنبر يواجه البحر، ولولا ذلك لدمرت بيروت كلها، المسألة كلها إهمال وعدم إحساس بالمسؤولية وسوء تخزين وسوء تقدير».