انفتاح النص في {تفاح وخطايا}

ثقافة 2020/08/13
...

علوان السلمان
 
 
لامرأة تسحب ظلها على أهدابي وطنا.. تفاح وخطايا / ص5
فالنص الشعري صورة من صور الوعي الاجتماعي الذي هو انعكاس للواقع الاجتماعي.. وسيلته اللغة وغايته تنحصر في هدفين اساسيين: أولهما المتعة الجمالية المنبثقة من تشكيلاته الفنية.. وثانيهما المنفعة الفكرية المتولدة من استنطاق صوره والفاظه.. حينها يكون المستهلك (المتلقي) فعالية مشحونة بالحركة والتساؤل.. لأن الشعر وسيلة تعبيرية ذات طبيعة دلالية معبرة عن الذات المنتجة وجدانيا وفكريا.. والتي هي جزء من الوجود الكوني..   والمجموعة الشعرية (تفاح وخطايا) التي انتجت عوالمها النصية الخالية من العنونة والمكتفية بالرقمية.. كي تجعل من المستهلك مشاركا في بنائها العنواني.. ذهنية الشاعر ابراهيم مصطفى الحمد واسهم الاتحاد العام للادباء والكتاب في نشرها وانتشارها/2020.. كونها اتخذت من النص المفتوح مسارا ومنهجا باشتغال فكري ورؤية ترقى من الذات الى الموضوع بخطاب ينتمي الى المجال البصري مع اعتماد بعض المهيمنات والتمظهرات التي تتجسد في البناء المعماري الذي يعتمد التشكيل والدراما والموسيقا.. لخلق صور حركية مركزة.. نابضة بالفعل الدينامي والتوهج الوجداني والتفاعل الحركي مع استثمار الأساليب البلاغية (الاستعارة والمجاز..) لخلق عوالم تكشف عن نفسها من السياق والدلالة السايكولوجية والسوسيولوجية من أجل انتاج المعنى.. (من ثقب تخرج (ميدوزا) حاملة تسعة أقفال وصناديق مخبأة حان لها أن توهمنا بحياة أفضل.. فاشتعلت بالعاشر منها..(سيبيلا) تبحث عن موت.. لن تجد الموت.. معلقة تبقى في قارورة الأفق يخمش عينيك، وينام الليلك مخمورا بين يديك، فتعلم أن الحزن له عينان حريريان، ودربا أخضر يوغل ضربا في أروقة القلب.. هل تهرب؟ أين؟ وكل دهاليز المعنى تصرخ فيك، وبيتك في أقصاك حكاية عشق يغشاها حقل ضباب.. ينفلت الباب على حلم يتشظى ونوافذ تفتح للريح ذراعيها في حلم بنيوي يزهر ألف كتاب، وقصيدة عشق موؤد منفلت من بين أصابع أغنية تنغل في ذاكرة الدرب، الحرب.. أغنية تزهر تفاحا وخطايا في زمن خال منك ومني.. أيتها الآتية الآن على طبق من حلم، تبتكرين مواسم يكثر فيها الفتح وتزدحم الضحكات.. ضحكات؟؟ سألتني عشتار وكان الراعي محتشدا بالغلمة.. حين أشرت اليه انتبذت، فرأيت الضحكة تقفز من عينيها.. يتبعها سرب غيوم سود ووعيد: ان الآتي... شربت ضحكتها اوجاع الرمل..اعادتني لذاكرة البيت واحوال المنفى../ص7ـ ص8.
 فالشاعر يوظف الرمز الأسطوري ـ التاريخي ويحتضن (ميدوزا.. ربة الحكمة في الميثولوجيا الاغريقية والتي كانت تحول كل من ينظر عينيها الى حجر.. و(سيبيلا) من أسرة بولندية استقلت بحكم بيت المقدس في أواخر القرن الحادي عشرالميلادي.. و(عشتار) آلهة الحب والجمال في حضارة بلاد الرافدين..) لما تحمله من معان وما تتيحه من دلالات اشارية تسهم في بناء الصورة الفنية وتحقيق الجمالية المستفزة للذاكرة بلغة شفيفة في صياغتها..غنية بايحائها.. مشحونة بتمردها.. فضلا عن استنطاقها للرموز.. مع تركيز في اختيار الالفاظ عبر بوح ذاتي (مونولوجي) للتعبير عن حالة نفسية بمضمون شعري مكتنز بتوتره الداخلي الخالق لرؤياه الابداعية.. فكان نصه (تصميما محملا بقدرة من الحساسية) على حد تعبير هربرت ريد.. فضلا عن أن المنتج (الشاعر) يحقق بناءه الشعري من خلال الرموز والانزياحات وتجاوز المألوف بوعي وقدرة على الخلق والتعبير، فيعلن عن تجربة ذاتية لها مدلولاتها بصفتها تركيبا فنيا يربط ما بين منتج ومستهلك بألفاظ خالقة لصورها عبر هيكلها الجمالي والفني.. كون الشعر (صياغة وضرب من النسج وجنس من التصوير) كما يقول الجاحظ.. سيدتي: (الثعلب فات فات وبذيلوا سبع لفات) وأنا كنت ـ بسحرك ـ أنسخ أحلامي الوردية.. أجفلني وقع حقيقتهم تخطف لبي، كالغيلان لهم ألبسة من نار، خلفهم الارض تجر خطاها المكوية.. ثكلى ويلم بنيها حين يعودون فرادى، يجدون بيوتا نائمة في حضن الموت، ووديان افتقدت وجه الله)..
وللبيت أحزان وللبيت آهة توقد لو جاس الغريب جلاله// وذاك (لأن البيت بيت بأهله ومنهم يخط البيت حتى خصاله) تصهل:  فعلن فعلن فعلن، فتجر خطى الايقاع بلوعة ممسوس، لا يجد الراحة إلا حين يبوح ويختزل المعنى بشتات الكلمات، فينهض من جذع الصمت صفير دموي، يشرق في ذاكرة التفاح خطايا وأرامل.. /ص33..
 فالمنتج (الشاعر) يستهل نصه الحواري المنولوجي مستفيقا على خطاب يدغدغ مشاعر الطفولة على امتداد الزمن كي يشعر الآخر بعمق الالفاظ التي يوظفها في حقله الدلالي الخالق لنص محتشد بالصور ذات الايحاءات النفسية العميقة وهو يعبر عن تجربته بتلقائية وعفوية.. اذ تسامي الوجد المحلق والزمكانية ليدخل في سر الانتظار الذي لا يدرك إلا عندما تكون الذات هي المفهوم القيمي للحراك الشعري.. حينما يتم الكشف عن أنه يبحث في الممكنات كي يجد ما يعبر عنها باستجلاء يتناغم مع الحالة الشعورية والنفسية والذهنية بتوظيف الالفاظ الشعرية الحالمة..(لان البيت بيت باهله / ومنهم يخط البيت حتى خصاله) فالنص توهج إلهامي ينسجه الخيال الشعري الممزوج بتكويناته الصياغية وجمله المكثفة وألفاظه البعيدة عن الايهام والضبابية.. مع اعتماد المنتج تقانة التكرار الدالة على التوكيد والتي حققت وظيفتين عضويتين: اولهما الوظيفة الصوتية.. وثانيهما الوظيفة التعبيرية الكاشفة عن عمق الفكرة.. فضلا عن توظيفه تقنية التنقيط التشكل الصامت الدال على الحذف الذي يدعو المستهلك لملء فراغاته..   من كل هذا نستطيع ان نقول: إن المنتج أنتج نصوصا تقوم على مرتكزين أساسيين: أولهما الاتجاه السردي باستخدام اللغة الوصفية.. وثانيهما التعبير الذاتي الذي يكشف عن روح مازجة ما بين التأمل والتداعي.. فضلا عن تميزه بتتابع الصور التي تمزج بين معنيين: اولهما حسي.. وثانيهما ذهني بتشكيل بصري يتحرك وحركات الذات وتحولاتها الشعورية النابعة من معطيات واقعية بايحاءات تنطوي على دلالات مكتنزة بقدرتها البنائية ومضموناتها الانسانية التي تكشف عن مشهدية مشحونة بتموجات الذات العازفة على لحظات حركية الحواس وتناغماتها المنسابة مع إيحاء اللحظة الشعرية الكاشفة عن قدرة في تشكلات النص الشعري المحتضنة لقضايا الانسان وهمومه عن طريق التكثيف والايجاز والرمز (اللغة التي تبدأ حين تنتهي لغة القصيدة) على حد تعبير ادونيس..