د.أثير ناظم الجاسور
منذ سنوات طويلة والشعوب العربية بين أنها تنسى أو تتناسى ما تمر به من كوارث وتقلبات جعلت منها شعوباً متمرسة على تحمل المعاناة والمآسي حتى أنها باتت تتصدر نشرات الأخبار والكتابات لما يمر بدولها كل يوم من أحداث تجعلها مصنفة دولاً تعيش خارج نطاق المنطق والعقل والانسانية، لنفترض في إحدى الصباحات استيقظ العالم ولم يجد المنطقة العربية شعباً وحكومات ماذا سيحدث هل ستتأخر الصناعات أم سيختل توازن القوى لتبدأ حسابات جديدة لظهور قوى جديدة أم أن العالم لم يشعر بهذا الاختفاء؟، والسؤال الآخر الذي قد يكون ايضاً مؤلماً هل هذه الامة مؤثرة؟، قد نكون في غاية القسوة إن قلنا إن العرب يعيشون على أمجاد تاريخهم لأنهم اليوم من دون منجز تتعكز عليه الاجيال المقبلة على اعتبار ان الاجيال الحالية تم طحنها بسياسات حكامها، ذلك التاريخ الذي ما ان تعرضوا لنكسة او كارثة راحوا مسرعين اليه متفاخرين أنهم كانوا وكانوا، هذا التاريخ بكل أحداثه وشخوصه أصبح مسكّن آلام الخيبة والخذلان التي يعيشونها.
منذ حركات التحرر التي أجهزت على الكرامة العربية ولغاية اليوم وشعوب هذه المنطقة تحاول أن تنسى أنها تعاني او قد نعللها أنهم يعانون لكن بصمت، هذه الحركات تسببت بشكل او بآخر بتدمير قيم هذه الشعوب بعد أن سارت خلف شعارات اسهمت في تدمير البقية الباقية من كرامتها وحريتها، لم تتعلّم الشعوب العربية من أخطائها ولم تدرك شكل المخاطر التي تحيط بها لأنها وببساطة ركزت على مسألة الخلاص وأي خلاص، فهي ما ان تتخلص من استبداد وايديولوجيا متطرفة حتى تقع بثانية اكثر تطرفاً، أسهمت هذه الشعوب بإضعاف مواقفها بعد ان قبلت ان تكون مشاريع استشهاد ومرور وعبور وتضحية، بالنتيجة هي ضحية النخبة اذا ما أردنا ان نسميهم نخبة على اعتبارهم الماسكين بزمان القرار السياسي والاجتماعي وكل ما له علاقة بحركة المجتمع وسلوكه ومزاجه.
منذ النكسة الأولى وضياع فلسطين حتى النكسة الثانية باحتلال العراق والشعوب العربية تدفع ثمن الايديولوجيات سواء القومية منها ام الدينية، فكلاهما يرى فيهم أساس تضحية لا بد منها، خصوصاً ما يحدث اليوم، لم تنعم الشعوب العربية بسياسة او اقتصاد معتدل يسير وفق المنطق والمناهج العلمية التي تعمل بها دول العالم المتقدم، واذا ما امتازت بواحد فإنها بديهياً تفقد الثانية، وكأن قدر هذه الشعوب العيش وفق قوانين شاذة لا محل لها من التطبيق وتظل رهينة القرار الخارجي بشكل او بآخر بسبب السياسات الفاشلة التي تعاقبت عليها، التي بدورها تتعكز على هذا القرار، ومع كل هذه الفوضى الحياتية مازالت هذه الشعوب تتناسى كل مآسيها وتعمل جاهدة على ايهام نفسها بأمل ان المقبل افضل بالرغم من ان معطيات الحاضر تعطي مؤشرات واضحة على أن المستقبل ملؤه خيبات، وايضاً هي تعلم ان السلطات الطبقات الحاكمة لها تسير خارج سياقات آمالها ومتطلباتها التي لطالما كانت هي سبب إصرارها على أن المقبل أفضل.
لم يعد للمقبل وجود في ظل ما يحدث كل يوم على مرأى ومسمع العالم أجمع، فنرى هنا قتلا وهنا تفجيرا وهناك قتلا وتشريدا ونزوحا وفسادا ماليا وفتاوى تطرف تحرض على القتل والتهجير وأيديولوجيات فارغة متصارعة وسياسات محاور وجبهات وتخندق وهويات فرعية قاتلة، كل هذه وأكثر نتاج هذه المنطقة، وما زالت شعوبها تجتر ذات الطبقات الحاكمة فهي لم تبتعد عن ذلك الخط الذي ابدأت منه وما زالت تبحث عن ذلك القائد الذي يسير خلفه الملايين ذلك المحفز للنصر المزعوم، ما زالت تبحث عن مجد الامة واحياء تراثها وقيمها ومشتركاتها بأدوات الدكتاتورية والتسلط والظلم، ما زالت تعمل على خلق الجمود وانتاج المعاناة، وعليه فهي ما زالت تراوح في ذات المربع ولكي تغادره عليها التفكير في تغيير الادوات واتباع اساليب مختلفة من خلال تبديل الخيارات من خلال تبديل الطبقات الحاكمة التي لم تعد تجدي لا هي ولا اجراءاتها التي بأحسن الاحوال سيئة، على الشعوب العربية ان تعلم ان المقبل أسوأ إذا ما بقي الحال على ما هو عليه ببقاء الانظمة الحاكمة التي تلعب على عامل الخوف والسكوت.