نوارس دجلة

ثقافة 2020/08/15
...

مهدي القريشي 
 
بمروري المعتاد من على جسر الجادرية كثيراً ما كانت تدهشني حركات النوارس الاستعراضية، البهلوانية المطعمة بغنج المراهقات، وخفة الهواء، وطعم المطر، تدعوني علانية وبلا تحفظ لمشاهدة إغراءاتها  المدهشة وتجرجرني بمحبة لمشاركة جمهور عشاقها لتوثيق العلاقة بيننا بحميمية الورد للحفاظ على زهو لونه، ولَم تكتفِ بإغراء فضول الأفراد فحسب بل تطور الامر الى دعوة بعض الأسر لجعل المكان  متنزهاً ترفيهياً لتوثيق عرى صداقة بيضاء ونبيلة معه. هذا الطير المسالم والجميل والذي طالما تغنى به الشعراء أجمل القصائد، في حضرته يرفع الآباء، أطفالهم لترمي أياديهم الترفة فُتات الخبز في الهواء فتنقض النوارس على الفُتات وتنتشلها بمناقيرها قبل أن يبتلعها ماء دجلة، في حركة عدم تضييع رزقها الذي يمنحها تقديم الفعاليات الراقصة والممتعة لمحبيها. 
حضور كورونا اللعينة فرقت بين محبي الجمال وصانعيه، وقتلت روح المبادرة للوصول الى المتعة وحرمت هذا الطير من حصول زاده بجهده الخاص وليس بمنة أحد. هذا الحرمان تسلل الى مفاصل الحياة جميعاً فالنهر يشكو الوحدة والجسر كذلك، وحتى الاسماك التي كانت تشاكس صياديها وتلعب معهم لعبة البقاء للاشطر، حزينة، قلقة من إثبات وجودها ككائن له الحق في العيش في مسكنه والدفاع عن حدود مملكته وحماية سكانها. 
النوارس لا ترغب برمي حزنها في الماء لكي لا تشعر السمك بأن العالم كله في ورطة فتُستغل  طيبتها وتخرج  الى اليابسة فيتمتع  بني البشر  بطعمها ويملؤون بها جوفهم الذي لا يمتلئ أبداً. 
انتظرينا أيتها النوارس سنأتي هذه المرة محملين بالمحبة والأشواق غير الفائضة عن الذات، وما تكتنزه الروح من ألق اللقاء والتواصل، هذه المرة لا نقف على الجسر فنرهقك في الصعود  إلينا (رغم أنها لعبتك المفضلة) فكورونا رغم سوأتها بقطع سبل التواصل الفعّال بين البشر وهوايتها في حجرنا في خانة الرعب الدائم، ومن ثم سرقة   أعزة لنا لا ذنب لهم سوى أنهم تعاملوا بحسن نية مع هذا الشيطان الجديد المسمى كورونا، علمتنا درساً ما كنّا نتعلمه لولا قساوتها  وظلمها وقهرها لنا، ورغم شيطنتها المستجدة منحتنا درساً في التواضع والنزول من أبراجنا العاجية العالية والتخلي عن غرورنا يوم كنّا نعتقد بأننا نستطيع أن نهزم ونقهر من نريد، لكن كورونا هذا الكائن الحقير في صغره الذي لا يرى في العين المجردة، والكبير في أفعاله ضد العالم، عجزت أعتى الدول عجرفة من أن تأتي بعشر ما فعله بِنَا، جردنا من غرورنا وغطرستنا وعلمنا أن نعرف حجمنا الطبيعي في هذا العالم الواسع، سننزل الى شواطئ دجلة، عند الجرف والمنحنى،  لنكون قريبين منكن أيتها النوارس الطيبة وسنواصل 
صداقتنا النقية مع الجميع بروح المحبة والألفة.