المسؤول العراقي لا يقدم حلولاً، بل ينافس البسطاء في شكواهم من سوء الخدمات وضعف الأمن والبطالة.. ويذهب احيانا كثيرة في اتهام الناس أنها لم تستوعب العملية الديمقراطية وفنونها، وكأنه كتب دساتير عدد من الدول العظمى. هذه باختصار صورة المسؤول العراقي (البرلماني والوزير والمدير..) في أغلب الفضائيات العراقية والعربية طيلة 17 عاما الماضية. صورة نمطية مملة، لم تعد تستحوذ على اهتمام المواطن العراقي وتحديدا بعد الحراك الجماهيري في تشرين الأول من العام 2019.
ويبدو أن المسؤول العراقي ازاء فهم خاطئ، ومتعمد، لآلية عمله وتراتبية الدولة ومهامها، وروج لهذا الفهم عدد غير قليل من المحطات الفضائية، فهو غير مطالب بتقديم التبريرات عن سوء التخطيط او التشريع او اصدار القوانين، جوهر عمله يتلخص في ايجاد الحلول والدفع بعجلة الأمور الى الأمام، واذا ما عجز يستقيل، هذا ما تفعله كل برلمانات العالم، لأنه كسياسي ومشرع فضلا عن الكتلة التي ينتمي لها مسؤول عن كل الاخفاقات الموجودة الآن، فمسمّاه ووظيفته تتطلب منه تذليل الصعاب ومعالجة المشكلات وليس التغاضي عنها بحجة الموازنة او عدم وجود قوانين او عدم رغبة الاحزاب الاخرى في حل المشكلة. إن التبريرات لاتمنح صاحبها طوق نجاة بل تضعه في دائرة المساءلة.
إن شجاعة المصارحة وكشف خبايا الامور تتطلب فضيلة الاعتراف بالخطأ، ويشارك في هذا المسلسل الطويل الممل للاسف الشديد، عدد غير قليل من الفضائيات العراقية، واقصد فضائيات احزاب لها ايديولوجية ورؤية تروجها للمشاهد العراقي وتتباين رسالتها مع حصتها من السلطة وموقفها من هرم السلطة بالتحديد، وهذه تستهويها ثقافة الصوت العالي والنقاشات المحتدمة دون ان يصل المشاهد العراقي معها الى حل بل تعزز ثقافة اليأس من العملية الديمقراطية برمتها، وهذا الامر بالمناسبة يُعمل عليه منذ سنوات لتبقى كل الاسماء التي يرفضها الشارع، وكانت سببا في سوء الوضع الراهن، ممسكة بمقدرات البلد.
وهنا أدعو قناتنا العراقية الى كسر هذا الفهم، واستضافة ذوي الاختصاص من الكفاءات العراقية في مختلف المجالات، وتدفع بصورة اكبر في هذا الاتجاه، ليكونوا هم الركيزة في البرامج عامة، فقد اثبتت السنوات 17 الماضية أن الحل لايقدمه المسؤول، الحل عند ذوي الاختصاص غير المسيّسين، هم النخبة الوطنية التي يجب ان نعتمد عليها بعد ان يتم اشراكم بتفاصيل المشكلة. كفانا حديث الطاولات المستديرة والمستطلية والتصريحات النارية بعد ان يترك احدهم المنصب، ومن قبلها كان صامتا كأن على رأسه الطير. كفانا حديث المظلومية والطائفة والنسبة والتوازن.. هذه المصطلحات الكاذبة التي تبث كالسم يوميا، مل منها الانسان العراقي ولهيب الصيف واسعار المنتجات والادوية .. تجلد ظهره. العراق في أزمة حقيقية، يجب ان نستبدل معها خطابنا الإعلامي، وهو ما بدأنا نتلمسه، ليكون اكثر جرأة وقربا من الحقيقة والمواطن. كفانا تقديم شهرة مجانية لشخصيات لا تمتلك غير الكلام والترويج لنفسها واحزابها. دعونا كمحطة وطنية نكون جزءا من حملة البحث عن الحل لمشكلاتنا عند ذوي الاختصاص، دعونا نشرك الجمهور في حلقات موسعة ونكون طرفا مهما في التغيير.